Site icon مجلة طلعنا عالحرية

مدينة التل المنسية.. على خطى داريا !!

تعتبر مدينة التل من أشهر مدن ريف دمشق؛ فهي بوابة منطقة القلمون، ونقطة الوصل مع العاصمة دمشق. وتعتبر من أوائل المدن التي شاركت بالحراك السلمي الذي بدأ في آذار/ مارس 2011 ضدّ النظام الديكتاتوري، فنالها ما نالته بقية المدن الأخرى من المدن الثائرة، من قصف ودمار واعتقالات.

وعلى الرغم من أن المدينة تشهد حالة هدنة مع النظام منذ منتصف عام 2013، إلا أن الأخير لا يزال يتبع سياسة “الجوع أو الركوع” لإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرته، على غرار ما حصل في العديد من المدن السورية؛ فلا تزال مدينة التل تقبع تحت حصار خانق يستهدف أكثر من 600 ألف محاصر داخل المدينة، وذلك عبر إغلاق جميع مداخل ومخارج المدينة الخمسة، وإطباق الخناق على الأهالي.

أوضاع إنسانية صعبة يعيشها السكان في المدينة

“عبادة س” أحد ناشطي المدينة، والذي فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي تحدث لـ طلعنا عالحرية عن الأوضاع الإنسانية فقال: “نعاني من أوضاع إنسانية في غاية الصعوبة بسبب الحصار الهمجي الذي تفرضه قوات النظام علينا منذ أكثر من عام ونصف؛ فالأسواق فارغة تماماً من المواد الغذائية، وإن وجدت فيكون ثمنها باهضاً جداً بسبب احتكار بعض تجار الأزمات لحاجة السكان الذين يصل عددهم إلى أكثر من 600 ألف إنسان بين السكان الأصليين والنازحين من باقي المناطق، والذين يسكن أغلبهم في بيوت غير جاهزة (على العظم) وفي المدارس وحتى في العراء، فتزداد معاناتهم مع قدوم فصل الشتاء. ومن المعلوم للجميع أن الشتاء في هذه المدينة قاس جداً، لأن البرد هنا (سليماني) ويرافق فصل الشتاء انتشار عدة أمراض كنزلات البرد خصوصاً لدى النساء والأطفال، في ظل النقص الكبير للكوادر الطبية والمستلزمات الطبية والأدوية، وانتشار الأمراض الحادة والمزمنة، لا سيما التهاب الكبد الوبائي. كما أن قوات النظام تمنع المنظمات الطبية من دخول المدينة، بالإضافة إلى منع دخول المحروقات كالمازوت الذي نحتاجه للتدفئة، والغاز الذي يصل ثمن الجرة منه إلى أكثر من 4500 ل.س. بالإضافة إلى النقص الكبير بمادة الطحين، مما يؤدي إلى أزمة خبز كبيرة، كما عمد الأهالي إلى زراعة الطرقات وشرفات وأسطح المنازل لتأمين ما يسد الرمق.

أما عن الكهرباء فلا تأتي سوى ساعتين خلال اليوم، “فقد نسيناها منذ زمن”.. ويكمل “عبادة” ساخراً: “أما مياه الشرب فهي بحالة جيدة لأنها تأتي مرتين في الأسبوع، أي أن الماء انتصرت على الكهرباء”. ويتابع عبادة حديثه فيقول: “أحد بنود الهدنة الرئيسية مع النظام هو ضمان عدم التعرض للطلاب والموظفين أثناء الخروج من المدينة، إلا أن النظام يتعمد اعتقال بعضهم وإهانتهم وخصوصاً النساء” ويختم “عبادة” مستغرباً: “ألا تستحق هذه المدينة أن يتم تسليط الضوء على معاناة سكانها، والوقوف بجانبهم ضد النظام الذي يتجه إلى تهجير سكانها؟ أم أن النواح والتمجيد لا يبدأ إلا بعد أن نصعد في الباصات الخضراء؟!”.

“ماجد الحسن” أحد المسلحين داخل المدينة يتحدث قائلاً: “تلقينا رسالة من النظام عن طريقة لجنة المفاوضات، مفادها أنه يجب علينا تسليم سلاحنا والخروج مع عائلاتنا من المدينة، وإلا سوف يدخلونها كما دخلوا داريا. مع أننا توقفنا عن قتال النظام منذ عام 2013، إلا أن النظام يصرّ على مطالبه، فهو لم يلتزم ببنود الهدنة، وتتعرض المدينة للقصف بين الحين والآخر. ونحن الآن نتشاور مع الأهالي في المدينة، وننتظر ما سيقررونه، ولن نخرج عن قرارهم، لأننا لم نحمل السلاح بإرادتنا، بل حملناه مجبرين، فأنا كنت طالباً في قسم الفلسفة، لكنني تفاجأت بفصلي بسبب خروجي بمظاهرة سلمية في المدينة، ولم أكن أتخيل أنني سأحمل سلاحاً في يوم من الأيام، لكنني اليوم أجد نفسي مضطراً للدفاع عن مدينتي التي يريد النظام أن يهجرنا منها على غرار ما فعل في داريا والوعر وغيرهما. ولن يكتفي بتشريدنا، بل سيعتقل شبابنا ويزجّ بهم في معارك ضدّ الشعب السوري في المناطق الأخرى” ويعبر “ماجد” عن قلقه ممن أسماهم بدواعش التل؛ ويقصد المجموعات التي بايعت تنظيم داعش فيقول: “أعتقد أن هؤلاء سيكونون السبب والذريعة التي سيقصفنا النظام بحجة وجودها في المدينة؛ فهؤلاء لا يستشيرون أحداً، ولا نعرف من أين تأتي قراراتهم، فهم خطر كبير علينا، مثلهم مثل النظام”.

يبدو أن النظام ماض في طريقه لتهجير سكان مدينة التل، لكن ليس على طريقة داريا وباقي المناطق، وإنما عن طريق اتباع سياسة الموت البطيء والتضييق على الأهالي، وعن طريق افتعال المشاكل داخل المدينة عبر أتباعه. لكن يبقى السؤال الأهم إلى متى سيبقى النظام يتبع سياسة التغيير الديموغرافي والتهجير القسري على مرأى ومسمع العالم أجمع؟ ألم يحن الوقت ليتحمل العالم مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية؟ أم أننا نسير نحو المزيد من الجنون على هذا الكوكب!

Exit mobile version