Site icon مجلة طلعنا عالحرية

مخيمات شمال غرب سوريا تعج بالنفايات

أمراض خطيرة وروائح مؤذية..

نايف البيوش

لم يتوقع الشاب “عمر نعسان” (29عاماً) أن إصابته بمرض إلتهاب الكبد الوبائي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، سببها انتشار مكبات القمامة على مقربة من مخيم مشهد روحين شمال إدلب، الذي يعيش فيه مع أبويه وإخوته منذ نزوحهم من مدينتهم معرة النعمان أواخر عام 2019.
عانى عمر من أعراض مرضية صعبة وقاسية، ومنها حمى شديدة، ضعف عام في الجسم، فقدان الشهية، غثيان وقيء، ألم في البطن، آلام المفاصل والعضلات، إضافة إلى بول داكن اللون. لم يُشفَ الشاب من المرض حتى اللحظة، رغم ارتياده لعيادات الأطباء وتناوله الكثير من الأدوية التي لم تجد نفعاً مع حالته “المستعصية” على حدّ وصفه.
عمر لم يكن الوحيد، وإنما تعددت الحالات المرضية في المخيمات العشوائية شمال غرب إدلب، جراء الانتشار العشوائي لمكبات القمامة دون أي مسعى من المعنيين والمسؤولين، وعلى رأسهم حكومة الإنقاذ، لنقل تلك المكبات إلى أمكنة بعيدة، وخاصة بعد أن بدأت تشكل وباءً حقيقياً يهدد آلاف النازحين اليائسين الذي يواجهون صعوبات حياتية كبيرة بسبب الحشرات والروائح.
الأطفال في خطر!
أصيب الطفل “صهيب السالم” (7 سنوات) بمرض القوباء الجلدي، جراء تعرضه للدغات البعوض والذباب التي تغزو مخيمهم في دير حسان، تقول والدته إنهم يعانون كثرة الحشرات والزواحف والبعوض والذباب، بسبب انتشار مكبّات النفايات على مقربة من مخيمهم، وهو ما تسبب بأمراض عديدة لأهالي المخيمات. وتشكو أم صهيب إهمال المسؤولين للأمر رغم خطورته، والذين لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء رشّ المبيدات الحشرية داخل المخيمات، وتتساءل بحزن: “ألهذه الدرجة باتت حياتنا لا تهمّ أحداً ولا تعني أحداً، ألا يكفي تهجيرنا ونزوحنا وعيشنا على هامش الحياة!”. تصمت قليلاً لتعود لحالة ابنها المرضية وتقول: “في البداية لم نعرف ماهية هذا المرض، فنوعية التحسس والحبوب الكبيرة التي ظهرت على وجهه وفي مناطق متفرقة من جسمه بدت غريبة بالنسبة لنا، وهي سريعة الانتشار في الجسم، وتسبب عدوى شديدة بين فئة الأطفال في المخيم، فسارعنا لعرض صهيب على طبيب جلدية، والذي وصف له بعض المراهم الجلدية والمضادات الحيوية، وبعد متابعته لمدة شهرين بدأ بالتحسن بشكل تدريجي، لكننا نخاف من الإصابة بعدوى أخرى جديدة من أطفال المخيم المصابين أيضاً”.
رأي طبي
“د. دريد رحمون” مسؤول الرعاية الصحية في مديرية صحة إدلب الحرة يوضح أن مرض القوباء هو واحد من الأمراض الجلدية الشائعة التي تصيب الأطفال في المخيمات، مضيفاً: “يظهر على شكل لطخة حمراء حول الفم أو الأنف وسببه جرثومي، وهي من أنواع الجراثيم المذهبية أو المكورات العنقودية القيحية، 30% من الحالات تظهر على شكل فقاعة، و70% منها تنمو بشكل كبير لتنفجر وتنتشر بأماكن أخرى، وهذا المرض ينتقل عن طريق اللمس من طفل لآخر” .
قامت مديرية الصحة بدورها باستدراك الأمر بعد استقبال صور لعدة حالات من قبل إدارة المخيمات، وتم تشكيل لجنة مختصة مؤلفة من أطباء وممرضين، وعملت هذه الفرق على المتابعة للحالات قدر الإمكان.
مخاطر متعددة.. ولا حلول واضحة
عن مخاطر انتشار النفايات بالقرب من المخيمات والأمراض التي تسببها، يتحدث الطبيب الأخصائي بالأمراض الداخلية “علي الرحمون” لطلعنا عالحرية: “القمامة تشكل أرضاً خصبة للبكتريا والجراثيم، وتؤدي إلى تفشي وانتقال الكثير من الأمراض أهمها الكوليرا، الملاريا، التيفوئيد، الأمراض الصدرية، والأمراض الجلدية مثل اللاشمانيا، والتسمم، التهاب الكبد، التهاب الأمعاء، وأنواع متعددة من السرطانات، كسرطان القولون والدم، وغيرها من الأمراض المزمنة والمستعصية”.
ويضيف الطبيب: “تلك الأمراض في تزايد مستمر مع انتشار المخيمات العشوائية، وزيادة الكثافة السكانية وانعدام السبل الخدمية فيها، وانتشار المكبات على مقربة منها، ما يؤثر سلباً ليس على صحة البشر فقط وإنما أيضاً على الحيوانات وعلى البيئة”.
وترتفع نسبة الخطورة في النفايات بوصول الأطفال إليها، لاحتوائها على حقن ورؤوس إبر وقثاطر وريدية، حيث يمكن أن تنتقل بعض الفيروسات نتيجة إحداث جرح بيد الطفل مسببة له التهاب كبد، أو التهابات أخرى.
حلول
يعطي الطبيب الرحمون بعض الحلول للتخلص من مشكلة النفايات وأضرارها، إما بإعادة تدويرها أو دفنها، أو على الأقل حرقها كأفضل الحلول المتاحة وأقلها تكلفة.
الطبيب علي الأحمد، أحد العاملين في القطاع الصحي التابع لمديرية صحة إدلب، والمطلع على عمل المديرية يقول لمجلة “طلعنا عالحرية”: “ازدياد أعداد المخيمات شمال غربي سوريا، أدى لنقص حاد في الأراضي المخصصة لترحيل النفايات، مشيراً إلى أن معظم الأراضي الشاغرة هي عبارة عن سفوح جبلية وغير صالحة للاستعمال”.

مضيفاً: “تعمل المديرية بالتعاون مع المجالس المحلية على ترحيل القمامة من المخيمات، ورميها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية، لنتفاجأ باستحداث مخيم جديد بالقرب من المكبّ، وهذا الأمر هو من أبرز الصعوبات التي تواجهنا في ترحيل القمامة”.

وتعمل المديرية على التخلص من النفايات من خلال حرقها بطريقة بدائية، لعدم وجود حراقات ومعامل مخصصة لتكرير النفايات، حيث تنظم المديرية -وفق الإمكانات المتاحة- حملات تعقيم ورش مبيدات دورية، تستهدف المخيمات النائية والقريبة من هذه المكبات.

Exit mobile version