مرت خمس سنوات وقرابة نصف سنة؛ أكثر من 2000 يوم على تغييب النشطاء الأربعة: سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي، منذ كانون الأول 2013 من مكتبهم في دوما في الغوطة الشرقية.
كثيرون بدؤوا بإجراءات طي القضية لنسيانها أو لقصر تذكرها على المناسبات.
ورغم إنهاء حالة المنطقة المحررّة في الغوطة الشرقية قبل أكثر من عام، لم تشهد القضية نقلة نوعية أسوة بنقلة الخاطفين إلى مكان آخر. بل إن انتقال الخاطفين بدا سلساً، وسرعان ما بدأت عملية إعادة تدويرهم والبحث عن توظيفهم من جديد.
ومن غير المقبول أن نضمّ هذه القضية لمجموعة قضايانا المزمنة، ونتعايش مع أوجاعنا وفقدنا بدل أن نسعى لحلّها.
ولكن، ما هو مصير المختفين الأربعة؟ هل هم أحياء؟ أين هم؟
نستعرض هنا الاحتمالات الممكنة لمصير المختطفين، والتي قد تبدو تخرصاً عجائبياً ومؤلماً بحد ذاته. ومن نافل القول أن أفضل هذه الاحتمالات شديد السوء.
تمت التصفية!
الخيار الأسهل عند المجرمين الخاطفين؛ ما يمكن أن يمنعهم ليس شرعية عملهم أو عدمها؛ فقد بات مسلماً به أن الشرعية والشرع مجرد أدوات في جيوب هؤلاء، يشهرونها بحسب الحاجة والمصالح الفئوية الضيقة. ما يعنيهم إذاً هو كمية الاستثمار في قتل الأربعة أو تركهم أحياءاً.
تم تسليم الأربعة للنظام
غالبا ما يلفّ الغموض الصفقات التي تبرم بين الفصائل والنظام، بما فيها تلك التي تظهر نتائجها على العلن. ويخدم هذه الفرضية كون بوصلة طرفيها والوسطاء المحتملين فيها معطلة وتشير دائماً إلى الذات، كما يتمتعون جميعهم بقدر كبير من المصلحية.
تم تهريب الأربعة خارج الغوطة
بين يوم اختفاء السيدتين والرجلين في 9 كانون الأول 2013 ويوم خروج آخر قافلة من الغوطة الشرقية من دوما بالتحديد إلى الشمال السوري بتاريخ 10 نيسان 2018 هناك أكثر من خمس سنوات، اختلف خلالها شكل الحصار الذي عانى منه سكان المنطقة طوال هذه السنين، ومنذ مطلع 2014 وحتى آخر 2017 كانت الأنفاق المودية إلى خارج الغوطة (برزة والقابون خاصة) تنشط في أكثر من مناسبة، ومعلوم أن كل أنفاق التهريب كانت تحت سيطرة مطلقة للفصائل، ومنها العلني الذي استخدم للتجارة ومنها السرّي الذي بقي الغرض منه محصوراً بـ(أصحابه) من فصائل الغوطة.
تم نقلهم مع قوافل التهجير
مثل كل المناطق التي استعادها النظام بعد تصعيد عسكري ومجازر، تضمن الاتفاق خروج المسلحين إلى الشمال السوري، وتسليم كل ما لدى الفصائل عدا السلاح الخفيف الفردي. بالإضافة إلى خروج من لا يريد مصالحة النظام. الجميع شاهد أمام الكاميرات أشخاصاً مكبّلين يركبون مخفورين في باصات التهجير، هؤلاء أسرى لا يتبعون للنظام، معظمهم تمّ القبض عليهم في الاقتتالات المحلية المتكررة في الغوطة أو ضمن عمليات أمنية خاصة كانت متبادلة بين الفصائل. ما يعني أن الفصائل، وخاصة جيش الإسلام المتهم باختطاف النشطاء الأربعة، استطاعت الاحتفاظ بسجناء ورهائن في سجونها طوال سنوات، وبعض هؤلاء السجناء كان في عداد الميتين أو غلب الظن أنه معتقل عند النظام، وظهر فجأة في الساعات الأخيرة قبل التهجير. وقد تواتر أن اتفاق اللحظة الأخيرة لخروج جيش الإسلام من الغوطة تضمن خروج عدة سيارات دون تفتيش. هناك من تكلم عن خمس سيارات وهناك من ذكر أعداداً أكبر. ما يهمنا هنا ليس الحديث عن تهريب الآثار والذهب وما شابه، وإنما احتمال تهريب الرجلين والمرأتين في تلك السيارات إلى الشمال حيث المجال أوسع من المحدودية والضيق الذي فرضته الظروف في الغوطة الشرقية.
تفترض الاحتمالات السابقة أن مصير الأربعة هو مصير واحد مشترك، رغم وجود احتمال (نظري أيضاً) يوزّع الأشخاص الأربعة على هذه الاحتمالات، بحيث يُبنى لكل واحد أو واحدة منهم سيناريو منفصل.
أعلم أن كل ما ذكر محض ظنون، يبقى ترجيح أحدها على الآخر برسم الأيام وبرسم تقدمنا بهذه القضية. ولهذا مازلت أفضل الركون إلى اليقين؛ وهو أننا تركنا الأربعة قبل 2000 يوم أحياء يتنفسون أصحاء، في مكتبهم وعلى رأس عملهم. كل ما ينفي ذلك بحاجة إلى دليل ملموس يبلغ الدرجة القطعية.
صحيح أن قضية المختطفين الأربعة قضية عامة. نعم، لكنها بالنسبة لنا هي شخصية بالدرجة الأولى؛ اهتمامنا الأول هو سلامة أحبابنا أو معرفة حقيقة مصيرهم. ما يتعلق بتجريم الجناة ومحاسبتهم -على أهميته- يأتي تالياً بالنسبة لدائرة المعنيين شخصياً بالمسألة. وذلك رغم وجود جدلية مفادها أن محاسبة الجناة هو الطريق إلى الحقيقة.
ومع استمرار غياب أصدقائنا ومع غموض مصيرهم، تُضاف إلى بشاعة جريمة تغييبهم صفة الاستمرار، لتزيد من ألمها وأثرها السيء على عائلات النشطاء الأربعة وأحبابهم. بل تتعدى بشاعة الجريمة المستمرة إلى إجرام بحقّ ثورة الكرامة وبحق البلد.. كل البلد.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.