مع طول عمر الثورة، ونتيجة ازدياد الحاجة لبناء مؤسسات إدارية ثورية لتقوم بالمهام الخدمية والمعيشية للمواطن وخاصة في المناطق المحررة والخارجة عن سيطرة النظام، لأجل ذلك ولدت فكرة وجود المجالس المحلية باعتبارها النواة الأولى في بناء الدولة المعاصرة، وباعتبارها الجسم والهيكل الإداري الاكثر قدرة على تمثيل الناس والتواصل معهم والعمل على معالجة مشاكلهم الحياتية، وقد لوحظ عدد من العوامل أثرت سلباً في مسيرة تشكيل المجالس المحلية وهي:
1 – غياب أي ناظم موحد لتشكيل المجالس المحلية، فلكل مجلس خصوصية تختلف عن الاخر في طريقة التشكيل فبعضها منتخب بشكل مباشر من اهالي القرية او المدينة، وبعضها منتخب بشكل جزئي عن طريق هيئة عامة مختارة، وأخرى شكلت بالتوافق بين الفاعلين والناشطين، وبعضها شكلت بالقوة العسكرية للواء او كتيبة، واخرى كانت تحت عباءة دينية لهيئة او مجلس شرعي، وهذا الأمر خلق تفاوت واختلاف في شرعية كل مجلس وفي بعض الاوقات أثرت طريقة تشكيل المجلس على عمل المجلس ولربما جمدته بالكامل.
2 – غياب أي مرجعية إدارية تربط المجالس المحلية مع بعضها أو مع مؤسسة او هيكل إداري أعلى منها سلطة، وبذلك أصبحت المجالس المحلية أشبه بالسلطات المستقلة وهي مكشوفة لكل من يريد ان يعبث بها لغياب أي سند سلطوي يمكن أن يكون عونا لهذه المجالس.
3 – غياب الدعم اللازم لنجاح عمل المجالس فلم تستطع هذه المجالس تلبية الطموحات التي كانت تعول عليها.
ومع تشكيل الحكومة السورية المؤقتة بدأ التوجه جاداً لتشكيل مجالس للمحافظات تكون المجالس المحلية هي نواتها الفعلية ومنها مجلس محافظة ريف دمشق الذي كانت ولادته في 19-4- 2014 بعد مخاض عسير دام اكثر من 6 اشهر حيث حاولت العديد من القوى أن تسحب مركز قراره من الداخل باتجاه الخارج وهو ما سبب بولادة مجلس محافظة مشوه، واليوم وبعد ان قاربت المدة الزمنية لهذا المجلس من الانتهاء، وهي ستة اشهر كان من الضروري تسجيل عدد من النقاط التي اكتنفت تجربة مجلس محافظة ريف دمشق خلال المدة الماضية وهي:
1 – لا زالت مصيبة التجاذبات السياسية والهادفة الى وضع موالين لبعض التيارات السياسية الثورية على كراسي سلطوية هي بالأساس كراسي فارغة وهشة وهي كراسي اسمية اكثر منها فعلية تعد اكبر مصيبة تعاني منها الثورة السورية وتسهم هذه المصيبة في تعطيل بناء المؤسسات الادارية الصحيحة والقادرة على تلبية طموح الثورة والشارع السوري.
2 – الشارع السوري مغيب بالكامل عن وجود هذه المؤسسات وعن طريقة تشكيلها أو ماهية عملها، ونسبة مشاركة الشارع والتفاعل مع مؤسسة المحافظة يعد معدوماً بالكامل، فمثلا لو أجرينا استبيانا في ريف دمشق لشريحة من الناس حول معرفتهم بوجود مجلس محافظة لريف دمشق لوجدت ان النسبة تتجاوز 99% لا تعلم عن هذا الامر شيئا وقد يظن البعض انك تسأل عن مجلس المحافظة التابع للنظام.
3 – الشلل والعجز الذي اكتنف عمل المجلس والذي كان ضعف الدعم احد اهم أسبابه، فخلال الستة اشهر عجز مجلس المحافظة عن تقديم اي دعم للمجالس المحلية سوى المبلغ الذي خصصته الحكومة المؤقتة كمبلغ اسعافي لريف دمشق وهو 800 الف دولار، وعلى اعتبار ان عدد سكان ريف دمشق بالحد الادنى مليون وستمائة الف نسمة يكون حصة المواطن الواحد خلال ستة اشهر نصف دولار.
4 – عجز مجلس المحافظة عن تأدية أحد أهم المهمات الموكلة إليه وهي صهر جميع الجهود المدنية تحت مظلة جامعة، وهي مظلة مجلس المحافظة، فما زالت العديد من المؤسسات الخدمية والاغاثية والزراعية وغيرها تعمل بشكل مستقل بالكامل عن مجلس المحافظة وتتلقى ايضا دعما حكوميا سواء من الائتلاف او الحكومة المؤقتة أو حدة تنسيق الدعم دون الرجوع الى مجلس المحافظة ودون أن يكون هذا الدعم موجها لمجلس المحافظة، والذي يعتبر هو الجهة الموكل بها استلام مثل هكذا عمل وتنفيذ المشاريع المطلوبة .
واذا كنا استعرضنا السلبيات فإن ذلك ليس بهدف تشويه الصورة، بل هي قناعة بضرورة بناء مجلس المحافظة بشكل سليم وتفعيله ومعالجة مشاكله وتجاوزها ولعل أهم الخطوات التي يمكن ان تتخذ في هذا الصدد هي: 1 – البحث عن اوسع قدر من الشرعية الشعبية التمثيلية لمجلس المحافظة ولا يمكن ان يتم ذلك إلا ببناء مجالس محلية على أساس انتخابات شعبية مباشرة وبواسطة صناديق اقتراع مكتملة المواصفات أي العمل على ترسيخ شرعية النواة الاولى وهي المجلس المحلي.
2 – وضع قوانين ولوائح تنظيمية ناظمة للعمل لمجالس المحلية وتكون معيار لعمل هذه المجالس.
3 – تفعيل المشاركة الشعبية مع المجالس المحلية الفرعية ومع مجلس المحافظة بما يسهم بتحقيق ترابط فعلي بين الشارع ومؤسسات الثورة.
4 – البحث عن موارد مالية ذاتية مثل المشاريع التنموية وفرض الرسوم مقابل الخدمات الضرورية. وعلى المستوى الوطني، يجب العمل للسيطرة على مصادر الثروة الوطنية وعلى راسها الثروة النفطية لأنه طالما بقي تمويل مؤسسات الثورة يعتمد على مصدر خارجي وليس مصدر وطني ستبقى هذه المؤسسات رهينة الخارج واجنداته.
ان التوصيف السابق لا ينطبق فقط على مجلس محافظة ريف دمشق، بل هو حال اغلب مؤسسات الثورة من الحكومة المؤقتة الى اصغر مؤسسة ثورية. فأغلبها هياكل وهمية فارغة دون محتوى او مضمون وهي عبارة عن مكاتب بأسماء كبيرة وافعال صغيرة، ولعل هذا المؤسسات والصراع عليها اقرب الى الطواحين في اسطورة دون كيشوت وإذا ما بقينا نسير في بناء مؤسساتنا على هذا المنوال نكون حقا نقوم بدور دون كيشوت دون ان ندرى او ربما ونحن ندري.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق