سردار ملا درويش
مجتمع الجزيرة السورية “روج آفا”، غني بمكوناته المختلفة، برغم أن معالم التعايش المشترك والسلم الأهلي لم تكن مرسخة أو ظاهرةً كثيراً في حقبة النظام السوري، الذي هيمن على كل التشكيلات المختلفة، حتى الوفاق والتفرقة كانا أمران يحدد النظام توقيتهما وظرفهما، وذلك بحكم حساسية المنطقة، والتعامل معها سياسياً لا اجتماعياً أو جغرافياً أو اعتبارها كباقي المحافظات السورية.
في ظل الثورة السورية، تغيرت وتعددت الظروف على المنطقة، فمن دخول كتائب تابعة للجيش السوري الحر ومن ثم جبهة النصرة وأخيراً داعش، وبين هجرة الأهالي منها وعدم الاستقرار وطرد داعش منها على يد “وحدات حماية الشعب” الـ “YPG” حتى خلق نوع من الأمان والاستقرار، لتبدأ الحاجة إلى ما يوصل أطياف ومكونات المنطقة ألفة نتيجة الحاجة للتعايش المشترك والسلم الأهلي، وضخ تلك المفاهيم، بعيداً عن عقلية البعث، لكن دون الوصول للديمقراطية المثلى.
تقع مدينة “رأس العين- سري كانيه” شمال شرق سوريا، وتتبع لمنطقة الجزيرة أو كما تسمى حالياً “روج آفا” أي “غرب كردستان” التي تديرها “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، مع استثناءات لتواجد النظام السوري في مدينتي “الحسكة” و “القامشلي- قامشلو”، وهي الإدارة التي يقول البعض أنها تابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”، لكن الإدارة نفسها تقول عن نفسها، أنها تابعة لحركة المجتمع الديمقراطي “TEV DEM”، المؤلفة من حزب الاتحاد الديمقراطي الـ “PYD” وأحزاب سياسية كردية أخرى بالإضافة لأطراف من المكونات الأخرى في المنطقة، باستثناء المجلس الوطني الكردي الذي لم ينضوي تحت راية هذه الإدارة. فالمدينة التي تتعدد فيها المكونات الإثنية والعرقية والقومية، تم فيها تشكيل “مجلس الأخوة والتعايش المشترك”، الذي يضم في صفوفه الكرد والعرب والمسيحين والأشوريين والشيشان، ويقع على عاتقه توحيد المجتمع، ودرء الفتنة بحسب نائب رئيس المجلس “عبد الرزاق الحلو” من عشيرة “العدوان”، الذي يرى أن المجلس سيسّد الادعاءات التي تفرق بين مكونات المنطقة، لذا رفع المجلس شعار “أخوة الشعوب”، في جهدٍ لمساعدة الناس ضمن الأمور الحياتية، التي تدعو لأسس التعايش المشترك، واتفاق كافة المكونات للدفاع عن المنطقة، وحل الاشكاليات العالقة، بالإضافة للدفاع عن الأرض وتحريرها من “تنظيم الدولة الإسلامية”.
الأمر ذاته يراه عضو المجلس عن المكون السرياني “عبد الأحد عبد الأحد”، بأن المجلس “سيمد يده لكافة مكونات المنطقة، ويكون نواة للوصول إلى مجتمع ديمقراطي حر”.
يرى “عبد الأحد” أن تشكيل المجلس ليس بالأمر الجديد على المنطقة من حيث الشكل، لكنه امتداد لما تتمتع به مدينة “رأس العين-سري كانيه” منذ مئات السنين، “حيث العربي جار للكردي والسرياني يعيش مع العربي والكردي كأخوة، بحكم أن الجميع يكملون بعضهم البعض، ومن هنا فإن هدف المجلس يأتي لتضافر الجهود، ورص الصفوف، وتخفيف معاناة أبناء المنطقة، بالجهد والعمل حتى الوصول إلى التعايش المشترك.
رئيس مجلس التعايش المشترك “أنور جاويش” اعتبر أن الهدف من المجلس هو إرساء المحبة بين أبناء المنطقة الواحدة أو نموذجاً يحتذى به في كل سوريا، من خلال وجود حاضنة تضم كافة الأديان والقوميات والأفكار، “فالأسس التي بني عليها المجلس، أتت نتيجة المودة بين مختلف مكونات المنطقة، لتكون نقطة انطلاق لبناء مجتمع سليم في المنطقة خاصةً والوطن عامةً، ما دفع لذلك هي الظروف التي مرت بها منطقة الجزيرة- روج آفا، من قبل القوى العسكرية التي دخلتها، ليكون هدف المجلس إزالة كافة الفوارق والخلافات وبناء جسم رصين”.
يتألف المجلس من 41 عضواً ويضم 11 عضواً فاعلاً بينهم الرئاسة المشتركة ونائبين، ولجان متخصصة، فهناك بحسب “جاويش” لجنة العلاقات التي تقوم بتنظيم الزيارات واللقاءات والمهرجانات، وتمثيل المجلس في مجالس أخرى، وأيضاً هناك اللجنة الخارجية التي تتعامل مع الوفود القادمة، بالإضافة للجنة الحماية والدفاع، ومهمتها تشكيل قوة من كافة المكونات للدفاع عن المنطقة، وتجنيدهم تحت راية (وحدات حماية الشعب).
مسؤول مكتب العلاقات في “وحدات حماية الشعب” والمساهم في آلية عمل المجلس “حسين كوجر”، يرى أن تشكيل مثل هذا المجلس كان حاجة ماسة وُجب تشكيلها في جميع الجغرافية السورية، منذ بداية الأزمة، “فعند دخول الكتائب المسلحة للمنطقة مثلاً وصراعها مع النظام، تم تشتيت الأهالي، حيث تواجدت مئة كتيبة في مدينة واحدة، وبدل قيامها بتوحيد المجتمع، قامت بإنشاء عشرات التجمعات، لذا كان تشكيل هذا المجلس نواة قوة مجتمعية وعشائرية موحدة، في وجه الخطر الذي يداهم المنطقة “.
رداً على سؤال “طلعنا عالحرية” بأن الكرد هم من يسيطرون على المجلس، أجاب “كوجر” بأن حاكمية المنطقة يترأسها الشيخ “حميدي دهام الهادي” وهو من عشيرة شمر، ويشارك بالإدارة وفي جميع مراكز صنع القرار كافة المكونات، حتى في الجانب العسكري المتواجد على الأرض، هناك قوة عسكرية لجانب “وحدات حماية الشعب” وهي الصناديد التابعة لعشيرة الشمر، والمجلس السرياني (السوتورو) والاشوريين والشيشان”. أما عن وجوده كشخص عسكري قريب من المجلس، يذكر “كوجر” أن مهمتهم هي دعم المجلس للقيام بعمله، “ومتى وصل المجلس إلى مرحلة الاستقرار وعدم الحاجة لنا، آنذاك سيتولون العمل لوحدهم”.
لا يعتبر مجلس التعايش المشترك المثال الأعلى للواقع السوري، بقدر ما يعتبر انطلاقة نحو بناء مجتمع متكامل وسليم، بدأ في منطقة الجزيرة، لتعدد ديمغرافيتها، من هنا ركزت العديد من منظمات المجتمع المدني على البحث عن سبلٍ توحيد المجتمع، ومشاركة مجتمعية فعلية لحل جميع المسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، لكن بعيداً عن ذهنية الإلغاء والإقصاء والاستئثار، من قبل طرف بحق الأطراف الاخرى، وذلك ضمن إطار الاعتراف المتبادل بين الجميع، على مبدأ المساواة في حقوق المواطنة وواجباتها.
هنا حاولت أيضاً منظمات المجتمع المدني، العمل على ايجاد تعايش بين جميع المكونات، فقام “مركز التآخي Biratî للديمقراطية والمجتمع المدني”، بحملة تسامح في شهر نيسان من العام الماضي، عبر ندوات حوارية ضمن حملة “تسامحوا ليعم السلام“
Hev bibexşînin bila aştî belav bibe بمشاركة 19 شاباً من كافة مكونات المدينة، تلاها قيام المركز بندوة جماهيرية، شارك فيها معظم مكونات مدينة “رأس العين- سري كانيه”، ورجال الدين والشخصيات الاجتماعية والمنظمات والأحزاب والمجالس، لتكون مبادرة من أصل ثلاث مبادرات، شملت كافة مدن منطقة “الجزيرة- روج آفا” على مدى سبعة أيام.
لا يخلو واقع منطقة “الجزيرة- روج آفا” من المنغصات، وعدم تمثيل “الإدارة الذاتية” وحتى “مجلس التعايش المشترك” لكافة الأهالي، فهناك من يؤيد الفكرة وهناك من يراها ربما من طرف واحد، مقابل وجود من يخالفها على مبدأ الاختلاف السياسي، لكن القائمين على المجلس يعتبرون أن خلق الاستقرار والأمان في ظل هذه الظروف أهم بكثير من تشتيت المجتمع.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج