لم يكن موقف المبدعين والفنانين الكورد بعيداً عن باقي السوريين؛ حيث انقسم الشارع السوري بين (مؤيد ومعارض ومحايد) منذ انطلاقة الانتفاضة الشعبية بشهر آذار/مارس من العام 2011 الانقسام طال الفنانين والممثلين والمسرحيين السوريين أيضاً؛ فمنهم من اختار أنْ يكون موالياً للنظام، وآخرين عارضوه.
بدايات الحراك
صلاح عمو، فنان وموسيقي من مواليد بلدة الدرباسية الواقعة أقصى شمال سورية. ولد سنة 1978 وتخرج من المعهد العالي للموسيقا بدمشق في العام 2004، وعمل في أكثر من ميدان موسيقي كعازف بزق، ومدرس جامعي، ومؤلف ومغن. أسس في دمشق سنة 2007 فرقة “جسور للموسيقا والغناء” المهتمة بشكل خاص بموسيقا شعوب بلاد الشام والرافدين.
في شهر آب/أغسطس من العام 2012، ألّف ولحّن ألبومه الموسيقي الأول باللغة العربية “قصة وطن وشوية ضمير” ونشرها على موقع اليوتيوب.
يقول صلاح في لقائه مع (طلعنا عالحرية) عن بدايات الحراك: “ما ظهر في سورية من حراك بداية 2011 كان ثورة وامتداداً للربيع العربي، نتيجة انعدام الحريات والقمع وغياب المواطنة” مضيفاً أن النظام لم يقف متفرجاً و “استطاع جذب الحراك إلى العنف بطريقة ذكية، لتشويه صورة المنتفضين وجرهم نحّو العسكرة” ويعزو السبب إلى “سلب الحالة السلمية من روح الثورة. فكل من خرج بداية الحراك لا ينتسبون إلى مشهد سوريا بشكله العسكري الآن، ولم يكن لهم أي دور في عسكرة الثورة”.
أما الفنان جوان جميل المنحدر من مدينة القامشلي (أقصى شمال البلاد)، أسس بعد تخرجه من كلية التربية الموسيقية من جامعة البعث بمدينة حمص معهداً موسيقياً بالقامشلي لتدريس الفن والموسيقا، ولديه عدد من الألبومات الغنائية باللغة الكردية.
مشاعر مشوشة
ذكر جوان أن بداية الحراك الشعبي في سوريا “حملت مؤشرات ثورة شعبية”. ولدى حديثه مع (طلعنا عالحرية) قال: “في تلك الأثناء كنت كباقي الشباب المنتفض منخرطاً بالثورة ونتظاهر في الشوارع، لم نكتفي بالمطالبة بالحرية فقط، بل كّنا -ولانزال- نطالب بإسقاط النظام”.
لكن جوان لم يشعر كالكثيرين من الكورد بالانتماء الوطني إلى سورية ويرد السبب إلى: “ارتباط الدولة بنظام حزب البعث والأسدين، كنا نشعر بالغربة في وطننا لمجرد أننا أكراد”.
بينما عدنان جتو وهو فنان تشكيلي ومخرج سينمائي من مواليد القامشلي، تخرج من كلية الفنون الجميلة من جامعة دمشق سنة 2008، وأخرج عدداً من الأفلام السينمائية القصيرة والوثائقية، أبرزها فيلم “جليلة” وهو وثائقي يحكي عن المرأة السورية، وفيلم “بطل” وهو سينمائي قصير، بالإضافة إلى فيلم “حبق”.
جتو وفي مقابلته مع (طلعنا عالحرية) يتذكر عندما كان يخرج من منزله الكائن في منطقة قدسيا بدمشق ويمشي في طريقه إلى ساحة العباسيين: “كنت أمر بجانب حديقة تشرين، وأشاهد راسية طويلة جداً عُلّق عليها العلم السوري. لم أشعر ولا مرة أن هذا العلم يمثلني، ولا نظام الحكم كان يعبّر عني كمواطن يعيش في وطنه”.
ومع انطلاقة الثورة السورية بداية العام 2011، بدأ جتو يشعر بالانتماء إلى هذا الشعب المنتفض، وقال “أنتمي للشباب الذين تصدح هتافاتهم مطالبين بالحرية والكرامة”، مشيراً إلى أنّ “الشعارات التي رفعت بداية الثورة كانت تمثلني.. لكنها للأسف انحصرت بأشهرها الأولى”.
حقوق كوردية
تطالب الحركة الكوردية في سورية بالفيدرالية، وترى أنّ نظام الحكم المركزي أثبت فشله، إلا أن صلاح عمو يشدّد على أنّ سورية بلد مركب قائلاً: “أي نظام سيحكم سوريا مستقبلاً يجب أن يراعي هذه الخصوصية ويعمل على خلق هوية وطنية جامعة لكل السوريين؛ وقتئذ سيقبل الجميع العيش في بلدهم على مبدأ المواطنة المتساوية” منوهاً أنّ “طرحهم للفيدرالية يجب أن يُحترم ضمن فهم خصوصية القضية الكردية، شريطة أن يكون هذا الحلّ توافقي بين جميع المكونات السورية”.
إذ يرى جوان جميل أنه يجب ضمان حقوق الكرد في سوريا المستقبل ومراعاة خصوصيتهم القومية. وعن موقفه من الفيدرالية قال: “أنا لست سياسياً، لكني مع أي طرح يضمن الحقوق الكوردية على أساس دستوري يوافق عليه جميع السوريين”، وأضاف: “في سوريا المستقبل إنْ لم تتحقق مطالبنا، وإن لم تكن البلاد ديمقراطية تعددية، لن نشعر حينها بالانتماء إلى هذا الوطن، فالانتماء يحدده ما تمنحه الدولة والدستور من حقوق”.
بيد أن عدنان جتو تمنى أن يكون الشعب السوري لوناً واحداً، وقومية واحدة ومذهباً واحداً: “كنا ارتحنا وخلصنا من هذه الأكاذيب والتمثيل الدرامي على الشعب السوري”، واعتبر أن “المعارضة والنظام يدّعون بأنهم مع حقوق الأقليات لكنهم يكذبون، والكره والحقد الدفين لدى الجهتين خرج خلال هذه الأزمة”، ولا يخفي جتو أنه: “بالأخير أنا كـ كوردي عشت طفولتي بالكوردية وأبوي كورديان. روحي كوردية. وعندما أسمع موسيقا كوردية أشعر بالسعادة أكثر”.
دراما سورية
أظهرت الأعمال والمسلسلات الدرامية السورية خلال السنوات الماضية، وتحديداً بعد العام 2011، نمطاً مختلفاً بعدما خرجت عن المألوف. وأصبح الكوردي يقول اسمه بدون قيود، ويفصح المسيحي والدرزي والأرمني عن ديانته؛ وكانت هذه المسائل من المحرمات طيلة عقود خلت. يقول الفنان صلاح عمو: “نعم هي ظاهرة إيجابية عندما تطرح قضية الأقليات في الدراما السورية. أتذكر بالعام 2004 وعندما وقعت أحداث القامشلي، حينئذ، لم يكن الكثير من الأصدقاء وزملاء الدراسة بالمعهد العالي للموسيقا، قد سمعوا من قبل بالأكراد”، وأضاف “كان السوريون يجهلون من هم الكورد وما هي لغتهم، لأنّ حزب البعث رسّخ الفكر الشمولي، واشتغل على صهر الهويات السورية وقمعها، ليخلق هوية تشبه فكره وأيديولوجيته”.
فيما اعتبر الفنان جوان جميل أن الخطوة متأخرة كثيراً وقال: “برأيي نتائجها سلبية، إذ تعكس رغبة النظام في رؤية سوريا منقسمة على ذاتها طائفياً وقومياً، وهي محاولة منه لهدم بنية المجتمع، وتهشيم ما كان متماسكاً في الأصل”.
لكن عدنان جتو وصف الأعمال الدرامية السورية التي ظهرت مؤخراً بأنها عبارة عن “لصاقة طبية لجرح كبير وبليغ لا تنفعها هكذا مبادرات”، وفي نهاية حديثه أكد إنّ “الجسد السوري مجروح ومن السخرية أن تجد مسلسلاً تبرز في حلقاته وجود أكراد ومسيحيين ودروز وأقليات أخرى في بلد يحكمه نظام شمولي دكتاتوري يستثمر الأقليات في سياساته”.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.