{مصدر مجهول}: مرحباً، هل أنتم مهتمون بالوثائق؟
{زود دويتشي تسايتونج}: نعم، نحن مهتمون جداً.
{مصدر مجهول}: هناك بعض الشروط. حياتي في خطر. سنقوم فقط بالدردشة على محادثة مشفرة. لن نلتقي أبداً.
اختيار القصص واضح انه متروك لكم.
{ زود دويتشي تسايتونج}: لماذا تقوم بهذا؟
{مصدر مجهول}: أريد أن أجعل هذه الجرائم علنية للعامة.
هكذا حصلت صحيفة زود دويتشي تسايتونج الألمانية على ما بات يعرف بأوراق بنما، وتعتبر من أضخم التسريبات في العالم حتى الآن، بتاريخ 3 ابريل 2016 بدء الكشف عن ستار الأوراق المسربة من شركة موساك فونسيكا، الرائدة في مجال الخدمات القانونية على مستوى العالم، ومقرها في بنما. والتي وصفتها صحيفة الجارديان بأنها رابع أكبر مكتب محاماة أوف شور في العالم.
ولمن لا يعرف معنى “أوف شورOffshore “ لغوياً يقصد بها (في الخارج) وتعتبر الشركات ومصارف أوف شور هي الواقعة خارج بلد الإقامة للعميل وغالباً ما تكون في دول ذات ضرائب منخفضة، أو غير خاضعة لرقابة مالية دولية. وكثيراً ما ترتبط الشركات والمصارف الخارجية بالسوق السوداء والجرائم المنظمة من خلال التهرب الضريبي وغسيل الأموال.
2.6 تيرا بايت حجم الملفات المسربة والتي وصل عددها إلى ما يقارب 11.5 مليون وثيقة يعود تاريخها لأربعين عاماً، شاركتها الصحيفة الألمانية مع أكثر من 100 مؤسسة صحفية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، حيث توزعت الوثائق على 370 صحفي من أكثر من 70 دولة، واستمر العمل على الأوراق عاماً كاملاً.
تضمنت الأوراق معلومات حول 214 ألف شركة خارجية، وكشفت عن تورط 143 شخصية سياسية بأعمال غير قانونية من تهرب ضريبي وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود، ومن بينهم 12 من قادة العالم الحاليين والسابقين، وتضمنت الأسماء 33 اسم تضعه أمريكا ضمن اللائحة السوداء.
من ضمن رؤوس الدول المتورطين الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، رئيس وزراء آيسلندا سيغموندر دافيد غونلاوغسون، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان، والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، كما تضمنت القائمة رؤساء سابقين مثل رئيس جمهورية مصر العربية السابق محمد حسني مبارك وبعض أفراد عائلته، ورئيس وزراء جورجيا السابق بيدزينا إيفانيشفيلي، رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس وزراء أوكرانيا السابق بافلو لازارينكو، ورئيس وزراء الأردن السابق علي أبو الراغب.
كما وتم اتهام أقارب ومعارف عدد من الرؤساء، مثل زوجة وأبناء وأخت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إبنة رئيس الوزراء الصيني السابق لي بينغ، أخت الملك الاسباني المتنحي خوان كارلوس الأول، وأصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى ست أعضاء في مجلس اللوردات البريطاني وثلاثة أعضاء سابقين في مجلس العموم البريطاني من حزب المحافظين البريطاني.
لم تغب صورة بشار الأسد عن الوثائق، حيث كشفت الأوراق معلومات عن رامي مخلوف وشقيقه حافظ مخلوف أبناء خال بشار الأسد، أصحاب شركات ممولة للحرب في سوريا تنتهك قوانين العقوبات، وحصل الاخوين على ثروة كونهم افراد من العائلة الحاكمة لسوريا، وكانت الشركات الأجنبية والمستثمرون مضطرين للحصول على موافقة من رامي مخلوف ومشاركته في المشاريع داخل سوريا، ورغم انتشار العديد من الأحاديث بين السوريين حول سيطرة رامي مخلوف على الاقتصاد السوري وبشكل خاص لقطاع الاتصالات والنفط، إلا أن الأوراق توثق بشكل واضح مستوى التورط بداية من السيطرة على الاقتصاد وصولاً إلى تمويل أدوات قتل الشعب السوري. وقد توضح من خلال الأوراق مساهمتهم في عملية توريد الوقود لسلاح الجو السوري الذي يعمل على قصف السوريين بالبراميل المتفجرة والصواريخ، وفي عام 2014 عدد من الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت قراراً بحظر التعامل مع هذه الشركات، لكن التحقيقات في الأوراق المسربة كشفت أن شركة فونيسكا استمرت بالتعامل معهم كمفتاح للتهرب من العقوبات من خلال انشاء أسماء شركات وهمية.
لم يستجب رامي وحافظ مخلوف للكثير من الطلبات للتعليق حول الوثائق المسربة حتى الآن.
الوثائق التي كشفت عن وجود أنشطة لشركات يشتبه بأنها مرتبطة بتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي وتبييض الأموال، طالت العديد من الشخصيات الهامة ومن بينها كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة لجامعة الدول العربية وسوريا سابقا.
رغم أهمية الوثائق التي كشفت الكثير من الحقائق الموثقة لتورط العديد من المسؤولين حول العالم، إلا أن شركة موساك فونسيكا ليست الوحيدة التي تعمل في هذا المجال، مما يدل على وجود الكثير من الخفايا، وقد علقت شركة موساك انها ضحية لعملية سرقة بيانات، وبرر العديد من موظفي الشركة أنه قد يكون هناك أخطاء في التدقيق حول الأسماء الواقع عليهم عقوبات دولية.
ربما لم تأت الوثائق المسربة بشيء مفاجئ للشعب السوري بشكل عام، فالسوريون وبدون وجود أي وثائق كانوا على علم بأن رامي مخلوف هو بمثابة مستثمر العائلة الحاكمة والذي يسيطر على كامل الاقتصاد السوري، إلا أن الوثائق تدعم بشكل لا لبس فيه هذه الحقائق وتشكل أدلة قاطعة لمحاكمتهم، كما أنها توضح مستوى الخلل في القوانين السورية التي مكنت شخصاً من امتلاك كل شيء بأسماء شركات خارجية.
مستقل، مهووس في تكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي. مهتم في الشؤون الاقتصادية وريادة الأعمال، محرر القسم الاقتصادي في طلعنا عالحرية