مريم الحلاّق
تروّض نفسك على قبول الواقع؛ أنّ ابنك قد استشهد في المعتقل! وتُوهم من حولك بأنّك تأقلمت مع غيابه، على الرغم من قسوة ذلك. وتعيش حياتك العادية أو ما يُشبهها، تخرج، تتحدّث، تساير في “لعب الورق” وطاولة الزهر. تضحك وتسمع صوت ضحكتك الجوفاء، فتستغرب الصوت: “كم من الزمن لم تضحك ضحكة صافية صادقة؟! والجميع يحسبك تأقلمت”!!
وفجأة يظهر أحدهم قائلاً: “مازال حيّاً!”، وتعود الآلام والأشجان والأحزان لتظهر على سطح ما كنت تخبئه وتخفيه، تحاول التماسك واستخدام العقل، فيخونك كل ذلك. تصبح ضعيفاً هشّاً أمام أيّ كلمةٍ تسمعها أو تبصرها في عينيّ وفم الكبير أو الصغير.
ويبدأ الأمل الذي لم تفقده يوماً بالنمو والتشعّب في جميع خلايا جسدك؛ في تفاصيل دقات قلبك، والآهات التي يصدرها تنفسك، وتغرقك الأسئلة:
هل ستلمح وجهّه الجميل مرةً أخرى؟ هل ستضمه بين ذراعيك ثانيةً؟ هل ستجلسان في الصباح وترتشف قهوتك بينما هو يشرب كأس الحليب ممزوجاً بالنسكافيه، وتتحدثان بينما تًنصتا لصوت فيروز القادم من غرفته؟! هل؟ وهل؟.. وهل؟!
تسترقُ السمع.. لعلّ أحدهم عنده خبر ولم يشأ أن يُخبرك به، لأنّه غير مُتأكدٍ من صحته. تنظر إلى الهاتف الصامت في إحدى زوايا الغرفة، ويخنقك السؤال: هل سيرنّ يوماً ما ويحمل الرنين خبراً تنتظره؟ وجوّالك لا يفارق يدك، حتى وأنت نائم. لعلّه سيكون هو من يحمل البشائر.
وتنتظر.. وتنتظر، ويطول الانتظار. وفي كل صباح تُمنّي نفسك: سيكون هذا هو اليوم الموعود، ويأتي الليل لتقول غداً صباحاً سيتحقق الأمل.
تقضي الليل مُتضرّعاً لله؛ تدعوهُ بكل ما يختلج في نفسك، وترجوه أن يَردّ إليك ولدك الذي فقدت.. ترجوه أن يُطمئنك عنه، ويعيده إليك سالماً، وبأسرع وقت.
لكن الليالي تمرّ، ويخبو الأمل، ليعود إلى مكانه في داخلك، ولتعود الحياة إلى يومياتها، وتعود أنت لتروّض نفسك من جديد على العيش فيها..
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج