مجلة طلعنا عالحرية

ماذا بقي لنا من العيد؟

هل تساءلنا يوماً لماذا نحن شعب يكره الفرح ويخافه؟!، ألم نسمع مراراً كلمات مثل “الله يجيرنا.. انبسطنا اليوم”، وكأن الله سبحانه وتعالى يكره أن يرانا سعداء! لماذا هذا الربط السلبي بين الفرح والإيمان؟ من قال إن المؤمن غير سعيد؟ أوليس الرضا عن النفس والقناعة جزء من السعادة؟
ليست هذه دعوة للفرح المصطنع، بل دعوة لنتفهم الأسباب التي تجعل أيامنا لا تتناسب مع مفهوم العيد.. أعيادنا القليلة أصلاً.
هل لأننا قوم مهزومون، والأعياد هي تتويج لنضالات الشعوب بنصر لا مجال لنسيانه؟.. هل لأننا قوم نعيش بواد وديننا ومعتقداتنا بواد آخر؟ والعيد هو ذكرى دينية وإنسانية عزيزة على القلوب.. وهو احتفاء بذكرى تاريخية كبرى أو بميلاد أنبياء التاريخ.. أو لأننا قوم لا ننجب العظماء؟ والعيد شهادة تقدير ووفاء لعظماء كان لهم بصمتهم في التاريخ..
أو لأننا نفتقد الانتماء لوطن تغتصبه طغمة أعيادها المجيدة لا تعنينا..
أو لأننا قوم إذا ملكنا الانتماء للأوطان، لم تمتلك الأوطان انتصارات تستحق الاحتفاء..
وهل قيم الحب والمساواة والعمل هي قيم معاشة في حياتنا؟ لنخصها بأعياد؛ فالحب مرتبط لدينا بالعيب، والعدل والمساواة يقتصران على الخالق، والعمل ليس إلا لكسب العيش ولا يحمل قيمة بحد ذاته.
الشعوب هي التي تصنع أعيادها، والأعياد مرتبطة بتاريخ من الانتصارات والإنجازات والقفزات، والتي بالتأكيد نفتقدها نحن في المنطقة العربية، فمنذ عهد الرسول الكريم لم نحقق أشياء تذكر. حتى انتصاراتنا الوطنية في عهد الاستعمار تُوِّجت بأنظمة استبدادية، بل أنظمة مجازر، وتبعية مستمرة ومتزايدة.
حرياتنا العامة ما زالت مقيدة، اجتماعياً لم نحقق سوى التفكك، ثقافياً لم نحقق سوى التأخر، علمياً لم نحقق سوى أعداداً من الخريجين وهجرة للأدمغة.
قضايا المرأة الأساسية وحقوق الطفل ما زالت تراوح مكانها، وعلى مستوى الحياة الكريمة والرفاه، فحدث ولا حرج عن دولة الطوابير والذلّ على أبواب المخابز.
تاريخنا تاريخ الهزائم.. فمن أين يأتي الفرح؟ ومن أين يحلّ العيد؟؟
في ظل الظروف الحالية وما تعانيه البلد من احتلال وانقسام وتفكك وظروف معاشية سيئة.. نتساءل ماذا بقي للسوريين من الأعياد، فكيف سيحتفل السوري بعيد جلاء المستعمر الفرنسي عن أرضه بوجود أربعة محتلين جدد ونظام خائن؟!
وكيف ستحتفل المرأة بيوم خاص بها، وبالأمس القريب قُتلت فتاة قاصر من قبل أهلها وعشيرتها لأنها خرجت من تحت عباءتهم الظلامية.
وماذا سنقدم للطفل في يومه الخاص ونحن لا نستطيع توفير الحماية والأمن وأبسط حقوقه في التعليم واللعب والعيش الكريم؟
وكيف سنحتفل بعيد الأضحى ونحن لا زلنا نضحي بالبشر والأبناء والأخوة على مذبح السلطة!
العيد هو الإنجاز، والإيمان بالذات الفردية والجماعية، وبقيم إنسانية واجتماعية ودينية وسياسية، فأين هي إنجازاتنا وقيمنا التي تستحق العيد؟
لقد أثبتت تجربتنا المريرة أن أكثر ما نحتاجه هو ثقافة جديدة تناسب العصر، معرفة من نوع جديد، ومبادرات مبتكرة نحو العام، ونحو ربط الخاص بالعام، احترام الآخر واحترام الحريات وحقوق الإنسان، احترام التاريخ، وانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى، كشف الذات وإخراج المكبوت، وعدم المساومة في نبذ القمع والانتهاكات والتدخل في شؤون الآخرين. باختصار إلى ثقافة جديدة تستلهم التاريخ وتنفتح على المستقبل.
وبالرغم من كل الواقع المأساوي علينا أن نصدق أن تغيير الواقع يبدأ من الرأس.. من العقل الذي يصنع تاريخاً ويصنع أعياداً.

Exit mobile version