على الجهة اليمينة من الطريق الواصل بين مدينتي علي كور وسروج التابعتين لولاية شانلي أورفة (جنوب تركيا)، انتشرت مخيمات لاجئي كوباني بعد ان فروا من الحرب الدائرة منذ شهرين، بين قوات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع تشكيلات من الجيش السوري الحر، وبمساندة قوة عسكرية من قوات البيشمركه من ناحية، وتنظيم الدولة الاسلامية المتطرف والمتداول اعلامياً بـ (داعش) من ناحية ثانية.
وبلغ عدد النازحين منذ 18 شهر ايلول (سبتمبر) الماضي، 183 ألف لاجئ، قصد أغلبهم مدينة سروج وقراها الحدودية المحاذية لمدينة كوباني السورية. وقامت بلدية سروج ببناء أربعة مخيمات وهي عبارة عن كتل من الخيم، وكل خيمة يغطيها قماش سميك يبدو أنها لن تصمد طويلاً أمام امطار الشتاء القارس.
بدورها، أنشئت منظمة AFAD التركية لشؤون الهجرة واللاجئين، مخيماً يضم حوالي خمسة ألاف لاجئ، وتقوم الحكومة التركية بالأشراف عليه وتقديم الدعم اللازم لها، إلا أنها لا تقدم اي دعم يذكر لباقي المخيمات التي تشرف عليها بلدية سروج لاعتبارات وخلافات سياسية.
احتياجات خدمية وطبية
مخيم آرين ميرخان وهو أكبر المخيمات، ويقدر عدد قاطنيه بحوالي خمسة ألاف لاجئ. أرض المخيم ترابية ومليئة بالأحجار مما قد يعرض المخيم لخطر الانجراف عند هطول الأمطار. الحمّامات أعدادها قليلة ومستوى النظافة منخفض مما أدى لانتشار بعض الأمراض مثل الحساسية الجلدية والتهابات الأمعاء. أما مياه الشرب فتقدمها بلدية سروج التركية ومياه الاستخدام ممددة من بئر جانب المخيم، إلا أنها غير صالحة للشرب.
نورهان والتي كانت جالسة بجانب خيمتها، شرحت لـ (طلعنا عالحرية) ان “الخيمة صغيرة وباردة، ولا يوجد فيها كهرباء”، كانت تلبس زياً كردياً مغطى بالألوان الزاهية، هي ام لخمسة أطفال وتسكن في خيمة مع زوجها في مساحة تقدر بـ 20 متر، وأضافت “يأتي الطعام جاهز ولكن في حال نشتهي أكل او شاي لا نستطيع طبخه لأنه لا توجد لدينا معدات او وقود”.
سليمان متين مسؤول مخيم آرين ميرخان، تحدث لـ (طلعنا عالحرية) بأن “العدد يفوق الطاقة الاستيعابية للمخيم، هذا المكان يضم خمسة ألاف لاجئ، ويعيش كل عشرة اشخاص في خيمة واحدة”، وشرح انه “هناك نقطة طبية واحدة وطبيبين وأغلب قاطني المخيم اطفال ونساء وكبار السن”.
وتشهد الحمامات ازدحام دائم، ويشكو اطباء المخيم أنتشار الأمراض السارية لتدني الرعاية الصحية، وشدد مسؤول المخيم أن “هناك الكثير من الأدوية نحن بحاجة ماسة لها”، وأضاف “معظم اللاجئون من الأطفال وهناك حوالي 500 رضيع يحتاجون للعناية الصحية والتي لا تتوفر هنا”.
وكشف الدكتور وائل أحد أطباء المخيم لـ (طلعنا عالحرية) أنه “توفي منذ أيام طفل حديث الولادة بعد أربعة أيام من ولادته فقط؛ نتيجة البرد وعدم توفر العناية الصحية، وكانت الحالة الثالثة من نوعها”، كما أخبر الطبيب بانتشار مرض الحساسية الجلدية لدى الأطفال والنساء.
أنشطة تُعيد الحياة
معظم سكان المخيم اطفال يقضون وقتهم في اللعب ورشق المياه، الأمر الذي دفع بالمدرسة جيان تحويل إحدى الخيم الى مركز تعليمي أشبه بالصف الدراسي. زوّدته بمقاعد وبعض الكتب والدفاتر ولوحٍ صغير، وبدأ يرتاده عدد من الاطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و15 سنة، لأخذ بعض الدروس.
ونقلت جيان تجربتها لـ (طلعنا عالحرية) قائلة: “في كوباني كانت العملية التعليمية لاتزال مستمرة على قدمٍ وساق، وبعد نزوحنا مجبرين قررنا إعادة تعليم الاطفال، نقوم بتدريس بعض الدروس الكردية والعربية ونحاول تعليمهم اللغة الإنكليزية”، أما عن الدعم المقدم للمركز التعليمي، أكدت ميديا أنه لا توجد اي جهة تقدم الدعم، وأخبرت “نفقة المشروع على حسابنا الشخصي”، وقام مجموعة مدرسين ذكرت اسماءهم: جيلان واديب وفيدان، بالتبرع لدعم المشروع.
إلا ان زوزان أبنة العشر سنوات رفضت فكرة الذهاب للمركز، وقالت: “بدي صفي ومدرستي، بدي بنت عمي لتروح معي عالمدرسة”، وأعربت والدتها عن حزنها وأنها “تقضي معظم وقتها جالسة عند باب خيمتها ولا تلعب كباقي الاطفال”.
وعند مدخل المخيم، خصصت غرفتين مسبقتي الصنع كنقطة طبية لمعالجة الحالات المرضية السريعة والخفيفة. وتطوع طبيبان لخدمة المرضى. أحداهن كانت الدكتورة روكسان، بالإضافة الى كونها تعالج أمراض الاطفال والحالات النسوية، حولت الغرفة الثانية الى مركز يختص بالتأهيل النفسي.
فالكثير من الحالات كانت تتردد لعيادتها وتحتاج الى الدعم النفسي، إحدى اللواتي قصدن غرفة المعالجة النفسية قالت بصوت خافت مشوب بالخوف: “كنا نسمع أنهم يسبون النساء، ويقتلون الرجال، وبعد ان هربنا من كوباني، أصبحت اشاهد كوابيس مرعبة”، وتابعت وهي تحاول شرح حالتها “هجموا خيمتنا واقتادوني عنوةً وكنت أصرخ بصوت عالي ولا أحد خلصني من بين يديهم”.
وشرحت الدكتورة روكسان لـ (طلعنا عالحرية) ان “الكثير من الحالات شبيهه بحالة هذه المريضة، والمركز بسيط ويحتاج الى اخصائيين لمعالجة هكذا حالات”.
أكثر من مائتي ألف نازح
المعارك الدائرة في كوباني تسببت بنزوح أكثر من 400 الف نازح، نصفهم عبروا الى الاراضي التركية.
من ناحيته، يرى المحامي محمود كالو رئيس لجنة الاغاثة في المجلس الوطني الكردي في كوباني بأنّ “العدد أكبر بكثير”، وفي حواره مع (طلعنا عالحرية) أكد ان “الرقم الحقيقي يتراوح بين 250 الف الى 300 ألف”، وعن صعوبة احصاء الارقام بشكل دقيق، أستخلص “نظراً لصعوبة تسجيل كل الاسماء التي عبرت، فريف كوباني والمؤلف من 360 قرية هُجر بالكامل، اضافةً الى سكان المدينة، جميعهم فروا منذ بداية الحرب”.
وعن التحديات التي تواجه المنظمات الإغاثية سواء أكانت المحلية أم الدولية، أوضح المسؤول المحلي إنّ “أبرزها الاعتباطية والعشوائية لغياب برنامج واضح ومخطط لتقديم المساعدات لهؤلاء”.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.