غسان ناصر
لم يكن إعلان المخرج سيف سبيعي بعد رحيل والده “فنان الشعب” رفيق سبيعي الشهير بـ”أبو صياح”، حول عدم وضع اسم شقيقه الأكبر عامر في ملصق النعوة (المعروف بانخراطه في الثورة السورية منذ أيامها الأولى، والذي توفي بالإسكندرية في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)، لم يكن هذا الإعلان إلا لوضع حدّ لما أثير في الفضاء الافتراضي من قبل أبناء الثورة ومناصريها، ممن اعتبروا أن سيف والمرحوم والده من الموالاة، بينما المرحوم عامر “أبو رفيق” وشقيقه بشار من المعارضة.
سيف، الذي اختار الإقامة في بيروت إثر اندلاع الثورة، قال عبر صفحته في موقع “فيسبوك”: إن “عدم وضع اسم عامر بالنعوة ليس بسبب التراث والعادات بل سببه المنطق.. لأن الأسماء والهيئات والمؤسسات التي تذكر قبل اسم المتوفى تتبعها عبارة تقول؛ ينعون إليكم بمزيد من التسليم لقضاء الله وقدره، فهذا يعني أن هؤلاء الأحياء هم الذين ينعون إليكم هذا المتوفى، ولو كان غير ذلك لكان الأحرى بنا أن نضع أسماء أشقاء أبي الثلاثة المتوفين أيضاً، هذا أولاً. ثانياً: وضعنا اسم أخي بشار وأبناء عامر الثلاثة المعارضين أيضاً في خانة الأحفاد؛ أي أننا لا نخشى من ذكرهم كونهم معارضين. ثالثاً: لقب رفيق سبيعي الذي يعرفه العالم العربي هو أبو صياح، ولو كنّا نريد أن نهرب من ذكر أخي المعارض عامر لما كنّا وضعنا لقب أبو عامر تحت اسم رفيق سبيعي. رابعاً: نحن كرمنا عامر حين وفاته وطبعنا نعوة باسمه وأقمنا له العزاء في دمشق، وتلقى رفيق السبيعي العزاء بولده، أي أننا لا نخشى من ذكر عامر ولا نتنكر له، حتى لو اختلفت مواقفنا”.
شهادة لله وللتاريخ..
رفيق سبيعي، الذي غيبه الموت يوم الخميس 5 كانون الثاني/ يناير، عن 86 عاماً، بعد صراع مع المرض، من مآخذ أبناء الثورة عليه، قولهم إنه أدى أغنية لسفاح دمشق بشار الأسد، وفي هذا مغالطة كبرى، كشف عنها المخرج المنشق عن تلفزيون النظام كريم عبد الرحيم، الذي صرح لصحافة المعارضة، إثر رحيل سبيعي، قائلاً: “إن التاريخ الحقيقي لإنتاج أغنية “نحنا جنودك يا بشار”، التي أداها الفنان الراحل متغنياً ببشار الأسد، تعود إلى سنة 2007 وليست مرتبطة بظروف الثورة”.
وأضاف عبد الرحيم أن رفيق سبيعي رفض مع بداية الحراك الثوري أداء أغنية تمجد بشار. موضحاً: “مع بدايات الحراك الثوري في سوريا كلفت من المؤسسة الإعلامية التي كنت أعمل بها بإخراج أغنية بطلها الراحل رفيق سبيعي وكان هذا العمل عبارة عن منولوج يمجد الطاغية بشار الأسد ويستعرض منجزاته، فذهبت إلى منزله في المزة وعرضت عليه ما كلفت به، فتبسم الراحل متسائلاً: وهل الوقت مناسب لذلك؟ كيف يكون هذا والشعب كله هبّ مطالباً بالحرية والعدالة والكرامة”. وأردف المخرج السوري مؤكداً أن كلامه “شهادة لله وللتاريخ”: “اعتذر رفيق سبيعي بدماثته المعهودة وصعب عليّ مهمة تبرير موقفه أمام إدارة تلك المؤسسة، فكيف أبرر عدم موافقته على هذا المشروع بشكل لا يؤذيه”.
مواجهة ضدّ الشمولية والحزبية
من جهته ذكر الناقد الفني نضال قوشحة، فصولاً من مواجهات الفنان الراحل مع نظام البعث و”نقابة فناني النظام”، وصراع الفنانين ضدّ السلطة الشمولية والحزبية في عهد الأسد الأب، سارداً بعضاً مما صرح به رفيق سبيعي في حوار منع من النشر في الصحافة المحلية لولا تدخل كبار المسؤولين، بعد مشوار طويل من الجهد والعناء والممانعة والضغط، بحسب نضال قوشحة.
في هذا الحوار يكشف رفيق سبيعي كيف كانت بدايات تدخل حزب البعث في شؤون النقابات المهنية ومنها نقابة الفنانين، وكيف زور الحزب انتخابات النقابة ليمنع وصوله لمنصب “نقيب الفنانين”، ويحل محله مسؤول أمني لا علاقة له بالفن، وكيف مُنع وغُيب عن العمل الفني بعد ما آثر الابتعاد عن حزب البعث والجهات الأمنية، التي ظلت تضايقه فترة ثمانينات القرن الماضي.
إلى ذلك كشفت تقارير صحفية أخرى، كيف اختار رفيق سبيعي وهو في سن متأخرة من العمر حصر حضوره في المشهد السوري على أداء ما يروق له من أدوار في بعض المسلسلات السورية التي تتناول تاريخ الحارة الدمشقية في مواجهتها مع الاحتلال الفرنسي، أو في فترة الاستقلال والنهوض الوطني.
كما كشف تقرير صحفي نشر قبل أيام، أبرز محطات الخلاف بين الفنان الراحل ورفيق دربه الفنان دريد لحام، الذي خان تاريخه الفني وغدر بأصحابه، وكان موقفه واضحاً في الانحياز للقتلة والطغاة.
وفي هذا التقرير يبين الراحل رفيق سبيعي كيف أن “دريد” سرق ماله ونصب عليه، وهذا ليس بغريب عمن يعرف دريد لحام.
أما فنان الشعب الراحل رفيق سبيعي، فقد سعى لأن يكون في ما قدمه من فن وابداع سورياً بكل ما تعني هذه الكلمة من معان سامية ونبيلة، ويكفيه أنه تحدى وهو في عامه الرابع والثمانين أجهزة نظام الأسد، عندما أصر على فتح باب عزاء لابنه البكر عامر، الذي تغنى بالثورة السورية بصوته الشجي، ما اضطره للهروب من بطش النظام مع عائلته إلى أن وافته المنية هناك.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج