Site icon مجلة طلعنا عالحرية

“لمن العالم اليوم؟”..

“لمن العالم اليوم؟”.. سؤال الإبن الذي صار عنوانا لجديد الشاعر منذر المصري

إضافة جديدة للمشهد الشعري والأدبي السوري في سنوات الجمر، يحققها الشاعر منذر المصري، بصدور مجموعته الشعرية الجديدة “لمن العالم اليوم؟ وسير مشبوهة أخرى”، عن دار “نينوى للدراسات والنشر” بدمشق.

تضم المجموعة الشعرية، عدداً من القصائد الطويلة جداً، ترجع إلى تواريخ مختلفة، كتبها المصري في أواخر الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولم ترد في أي عمل شعري سابق.

ويشعر قارئ قصائد هذه المجموعة التي جاءت في (255 صفحة من القطع الوسط)، كما لو أن الشاعر أراد سداد دين له مع الحياة ومع الشعر تحديداً، فأصدر كتابه الشعري، مردداً في العنوان السؤال ذاته الذي طرحه عليه ابنه حين كان في السادسة من عمره وهو ينظر إلى السماء من نافذة القطار.

نقرأ في مقدمة المجموعة: “تحت اسم القصيدة الّتي أعطت كتابي هذا عنوانه: (لمَن العالم؟) – وهو في الأصل سؤال، فاجأني به ابني، بينما كان ينظر متأملاً من نافذة القطار، ولم يكن قد بلغ السادسة من عمره بعد، حرت وقتها معه جواباً ومازلت لليوم- هناك جملة تقول: أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث”، فإذا كان هذا صحيحاً، كما أكّد لي الكثيرون من أصدقائي، الّذين عادة لا يوفّرون أيّ فرصة ليعارضوني في كلّ شيء، فإنّه أيضًا صحيح، ذلك القول، الّذي قرأته مرّة، لا أذكر أين، ولا أذكر متى، ولا أذكر أيضاً من صاحبه، كما أنّي، لجوره ولسهولة دحضه، لا أستبعد كثيراً أن يكون أنا، ولا أحد سواي، من قاله: “غالباً ما يدين الشعراء بشهرتهم لأسوأ قصائدهم”.

قصيدة واحدة جديدة في هذه المجموعة، يعتبرها المصري من أجمل قصائده، وعنوانها “سمها خرمشات قط”، يقول فيها: “ولو بعد غياب طال ثلاثين سنة/ من حياة لم تجد لها هدفاً/ سوى البحث عن هدف/ ولم تجد لها معنى/ سوى هذا الذي ليس له معنى/ إلى المدينة التي بحكم المُصادفة وُلدت/ ثم بحكم الضرورة عشت”.

“أحبك وأنا تراب” ..

يرى النقاد أن أغلب قصائد المجموعة تتميّز، بالعفوية المتقنة التي يتصف بها شعر صاحب “داكن”، وهو الذي يقول في المقدمة: “يستغرب كثيرون تصالحي الشديد مع شعري، وخاصة القديم منه الذي يتبدى بحرصي على ذكر تاريخ كل قصيدة، بالسنة والشهر واليوم وأحياناً بالساعة إذا تطلب الأمر”.

وتأتي عناوين قصائده الممهورة بحرفية شعرية عالية، أشبه بلوحات تأملية مثل “خُلقت لأكون خاطئاً”، و”لا أريد أن أكون أفضل من أحد”، و”مات في وسط القصيدة”.

ويصف صاحب “آمال شاقة” علاقته مع الشعر في قصيدة عنوانها “هي كطفل وأنا كأم” حيث يقول: “أقبل هذه القصيدة/ كيفما وُهبت لي/ هي كطفل/ وأنا كأم/ كيفما انبثقت من بين/ فخذي روحي”.

وعن منذر المصري الشاعر والإنسان، تقول الكاتبة والروائية هيفاء بيطار: “من يقرأ شعره تذهله تلك العفوية البسيطة وتحس أنه يتنفس شعراً، وكل عبارة يكتبها تفتح أمامنا نفقاً للتأمل، وكل عنوان من عناوين قصائده يصلح أن يكون مادة للتحليل والدراسة، مثل “أحبك وأنا تراب”، عبارة مذهلة قالها منذر لابنه، تولد ينبوعاً من الحب الأبوي لدى الأبناء، من يقدر أن يُبدع عبارة بتلك الفرادة وقوة التأثير، إلى درجة تشعر أن تلك العبارة تحولت إلى وشم في الذاكرة، وصار كل أب أو أم يتبناها ويشعر أنها تعبر عن قمة الحب للأبناء؟”.

أما صاحب “بشر وتواريخ وأمكنة”، فيقول: “يا لي من شاعر كئيب/ أبعث على الضجر/ أهذر عن أي شيء/ ولا أبالي ما هو/ ولمجرد تلطيخي وجهه/ بالسخام/ أحسب أنه سيصير/ في أعين الآخرين شعراً”، متابعاً: “من يقل كل شيء/ لا يقول شيئاً/ ثم تخلط كل شيء بكل شيء”.

الشاعر في سطور ..

ولد الشاعر منذر المصري في مدينة اللاذقية بالساحل السوري عام 1949، تدرج في دراسته في مدارس مدينته الثلاث: الأرض المقدسة والوطنية الأرثوذوكسية، وثانوية جول جمال، ليحصل بعدها على إجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة حلب عام 1971، ودبلوم في التخطيط الإقليمي من جامعات بولونيا عام 1979.

من مؤلفاته: “آمال شاقة” 1978، و”بشر وتواريخ وأمكنة” 1979، “أنذرتكِ بحمامة بيضاء” 1984، وهي مجموعة مشتركة مع الشاعرة مرام المصري والشاعر الراحل محمد سيدة. وفي العام 2011 أصدر كتاب “منذر مصري وشركاه”، عن دار “الغاوون” البيروتية، ويقوم الكتاب على فكرة الكولاج الشعري المصنوع من شذرات كان استلَّها الشاعر من مئات المجموعات والقصائد التي قرأها لشعراء سوريين وعرب ممن عاشوا زمناً طويلاً في سوريا.

والمصري أحد الشعراء السوريين الأربعة (نزار قباني – أدونيس – محمد ماغوط – منذر مصري) الذين تضمنتهم أنطلوجيا الشعر العربي المعاصر التي صدرت باللغة الألمانية عام 2000.

وكان أن أصدرت له وزارة الثقافة السورية ديوانه بعنوان “داكن” عام 1989، ولكن سرعان ما صادرت الرقابة الألفي نسخة التي كانت جاهزة للتوزيع وأتلفتها!، كما رفض اتحاد الكتاب العرب بدمشق عضويته رغم استيفائه لكل الشروط، وقد كانت هاتان الحادثتان، على حدّ تعبير منذر المصري: “فضيحة بجلاجل، جلاجل لم يسمع رنينها أحد”.

Exit mobile version