“انتهى الدرس يا غبي ! “
افتتاحية بقلم أسامة نصّار
من بين كل الحراكات الشعبية في العالم، ومنها ما يحدث في دول عربية، يختلف تعاطي السوريين وشعورهم تجاه الحراك اللبناني.
لا شكّ أن كل حراكات التحرر في العالم تعنينا، وتعني مناشدي الحرية والكرامة من السوريين، لكننا حكماً مرتبطون ارتباطاً عضوياً مع لبنان والحراك الجاري فيه.
وبعيداً عن الإغراق في إحياء روابط متحفية، أو اختراعها دون معنى، يحمل السوريون شعوراً خاصّاً تجاه لبنان واللبنانيين.
نحاول أن نتتبع كيف ارتسمت صورة البلد الجار في ضمير السوريين، فنجد أنه عند قسم معتبر منا طالما كان لبنان وجعَ الخاصرة.. نتذكر ولوغ النظام السوري في الحرب الأهلية، ثم وجود جيشه في البلد مع (حزمة) الانتهاكات المرافقة التي اشتهر بها، ثم تدخل النظام بما يخدم مصالحه ومصالح وكلاء محليين من أسوأ اللبنانيين وطبعاً بما يغاير مصالح الناس في البلدين. البسطاء منا يتذكرون معبر المصنع وذلّ تهريب المواد من أطعمة وألبسة ودواء من الروشة إلى سرغايا ومضايا أو من الشمال اللبناني إلى القصير في ريف حمص.
تنقذنا ثورة لبنان نحن السوريين من تحوّل آخر لعلاقتنا مع لبنان؛ تحمينا من وسم لبنان أو اختزاله بولوغ حزب الله اللبناني في الدم السوري، وبعنصرية وخطاب كراهية ضدّ اللاجئين السوريين في لبنان.
لا فائدة من المقارنات المبنية على فكرة أن نظامنا مختلف، وأنظمة الآخرين أقل سوءاً وعنفاً. ستكون غاية هذه المقارنات هي التبرؤ، والابتعاد عن نقد الذات: النظام السوري متوحّش وباقي الأنظمة أقل وحشيّة. المشكلة ليست عندنا؛ لقد قمنا بكل ما علينا؛ ثرنا وتظاهرنا وملأنا الساحات كما فعل السودانيون ويفعل اللبنانيون والعراقيون. ثم دخل السلاح كما في ليبيا واليمن.. لكن نظامنا وإيران وروسيا وعمالة الخليج والتآمر الدولي و… كلها حالت دون التغيير كما الآخرين.
هذه خلاصة مقارنة قسم معتبر من السوريين مع كل الحراكات الشعبية في البلدان الأخرى.
سيعجب الطاغية أن يقال عنه إنه الأعنف والأفظع وإن التاريخ لم يشهد مثيلاً لوحشيته وبطشه. هذه (الفرادة) تفيده وتغذي غروره وعنجهيته، كما أن وصفه بالعنف المفرط سيعمق الخوف.. أهم أعمدة حكمه.
هدفَ النظام السوري بتواطؤ -أو دعم- من طغاة العالم إلى تأديب الشعوب المتطلعة لنيل كرامتها وحقوقها، عبر الإمعان في قمع الثورة السورية، لتأتي الموجة الثانية من الربيع العربي، من السودان والجزائر والعراق ولبنان وغيرها أيضاً، لتقول لهؤلاء إننا باقون وسنثور وتقمعوننا ثم نثور وتقمعوننا ثم نثور.. ثم نثور.. لتقول لهم إننا نفهم الدرس ولكن لا نريد تطبيقه؛ فالعصى لا تربينا وإن استحالت رصاصاً وصواريخ وبراميل متفجرة وغازات سامّة.. لتقول لهم: «انتهى الدرس يا غبي»!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.