أثار تنفيذ تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) رجم نساء ورجال بتهمة الزنا من جديد أسئلة حول مصادر الاحكام ومدى شرعية هذه الممارسات من وجهة نظر الشرع الاسلامي.
فهل لرجم الزاني اساس في الاسلام؟.
اعتمد دعاة الرجم على واقعتين حصلتنا ايام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهما رجم ماعز بن مالك الاسلمي والغامدية الازدية. وهما واقعتان مشهورتان ولا يمكن انكار حصولهما غير ان النص الديني المؤسس: القرآن الكريم خلا من ذكر عقوبة الرجم وتحدث عن جلد الزاني والزانية قال تعالى:” والزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين”(النور:2) وهذا دفع الفقهاء الى البحث عن السبب وراء هذا التعارض بين مضمون الآية وممارسة النبي الكريم فطرحوا احتمال ان تكون واقعتا رجم ماعز والغامدية قد حصلتا قبل نزول سورة النور وان النبي قد نفذ بحقهما الحكم الوارد في التوراة على قاعدة “شرع من قبلنا شرع لنا”، وان الرجم لم يقع بعدهما لا ايام الرسول ولا ايام الخلفاء الراشدين، ما يعني ان نزول سورة النور قد حسم الموقف وحدّد العقوبة كما وردت في الآية 2 السابقة الذكر فلم يتكرر الرجم بعدها، وقد ذهب اتباع مذهب الخوارج، وهم من المتشددين في تطبيق الحدود، هذا المذهب وقالوا :”انه لا رجم في الاسلام”، كما استند بعضهم الى الحكم على ارتكاب الفاحشة من قبل النساء المحصنات، حرائر واماء، الوارد في سورة النساء حيث قالت الآية في الحرائر:” واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الله أو يجعل لهن سبيلا”(النساء: 15) وقالت في الاماء:” فاذا احصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات”(النساء: 25) وتساءلوا لو كان عقاب المحصنة الحرة الرجم حتى الموت فكيف يفعل في الاماء المحصنات، وعليهن نصف ما على الحرائر، وهل ينصف الرجم حتى الموت؟. واشاروا الى شروط اقامة حد الزنا: التلبس وشهادة اربعة شهود عدول يشهدون على حصول الواقعة كاملة ما يعني حصول الجماع والايلاج وواقعة المغيرة بن شعبة حالة نموذجية لهذا الشرط فقد ولاه عمر على البصرة، وكان يتردد على امرأة اسمها ام جميل وقد ترصده ابو بكرة وإخوته لأمه (نافع وشبل وزياد) ولما دخل المغيرة عند ام جميل دخلوا الى غرفة مجاورة وحصل ان فتحت الريح باب غرفة ام جميل فإذا بالمغيرة وأم جميل على هيئة جماع فكتبوا الى عمر فاستدعى المغيرة والشهود، سأل عمر المغيرة فأنكر حصول الجماع، فسأل ابا بكرة فشهد بحصوله، ثم سأل نافع فشهد بحصوله، وسأل شبل فشهد بحصوله. وكان زياد غائبا فلما حضر زياد الى الخليفة سأله عمر فقال:” كان مستبطنها” فسأله عمر: “هل رأيته يدخله كالميل في المكحلة” فقال: لا، فأمر عمر المغيرة بجلد ابا بكرة ثمانين جلدة لأنه رمى محصنا.
كما أشار الفقهاء الى محاولة الرسول درأ الحد عن ماعز اربع مرات وفق رواية مسلم في صحيحه للواقعة قال:” جاء ماعز الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهّرني فقال ويحك ارجع فاستغفر الله وتب قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهّرني فقال الرسول ويحك ارجع فاستغفر الله وتب قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهّرني فقال النبي مثل ذلك حتى اذا كانت الرابعة قال له الرسول فيم اطهّرك فقال من الزنا فسأل الرسول أبه جنون؟ فأخبر انه ليس بمجنون، فقال أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد ريح خمر، فقال الرسول أزنيت فال نعم فأمر به فرجم”، وقد فعل ذلك مع الغامدية فقد اجّلها حتى تلد ثم حتى تفطم مولودها ولما جاءت تحمل المولود وهو يأكل كسرة من الخبر واصرّت على ان يطهّرها، أمر برجمها ثم صلى عليها وقال فيها:” جادت بنفسها لله تعالى”. وقد جاء في الخبر ان رجلا اسمه هَزَّال هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النبي ويخبره انه زنى، فقال له عليه الصلاة والسلام:” يا هَزَّال، لو سترته بردائك، لكان خيرا لك”، فالستر والتوبة مخرج وبديل عن العقوبة.
وقد نقل الشيخ عبدالله العلايلي عن المبرد ملاحظته في كتابيه الكامل والمقتضب حول استخدام القرآن الكريم، ان في السرقة او في الزنا، صيغة اسم الفاعل (السارق والسارقة) و (الزانية والزاني) وقوله: “ان التحلية بأداة التعريف في هذا المورد تجعله اقرب الى النسبة منه الى مجرد التلبس بالحال الفعلية فكثيرا ما دلت صيغة اسم الفاعل عليه مثل طالق وفارك…الخ” وعليه فالتبادر الذي هو علامة الحقيقة فيهما يحمل على انه من باب النسبة الى السرقة والزنا أي من غدا هذا وهذا ديدنه. ويقوي الفهم المذكور الآية اللاحقة لأية السرقة: “ فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه (المائدة:5) أي تترك له فرصة للاستتابة واصلاح السلوك” (عبدالله العلايلي كتاب اين الخطأ ص 75) وقد كان ذا دلالة ان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يسأل ماعزا والغامدية عن شريكيهما في الزنا ليقيم عليهما الحد، فطالما تحصنا بالستر فقد منحا فرصة للتوبة.
وعليه يمكن الجزم بان لا رجم في الاسلام وان حد الزنا الجلد مائة جلدة للزاني والزانية في حال ثبوت الفعل كما جاء في شروط اقامة الحد.
كاتب وناشط سياسي سوري