بطبيعةِ الحال، أنتمي الآنَ إلى الطّاولةِ الّتي نجلِسُ إليها أكثرَ من أيِّ شيءٍ آخر. أرى بوضوحٍ حياةً مليئةً بالمحطّات أمامي، لكن الآنَ –إزاءَ هذهِ الطّاولة- ثمّةَ من الحميميّةِ ما يجعَلها أقربَ لأن تكونَ وطنًا، لا محطّة.
كُنتِ لمْ تزالي تؤثرينَ الصّمت، وتتركينني غارقًا وسطَ لغةٍ من الاحتمالات المُمكِنة.
في السّنواتِ الأخيرة، لم يُفارقني الشّعورُ بأنَّ الوقتَ يداهِمني. ومؤخّرًا؛ أصبحَ المكانُ يداهمني كذلك. لكِ أن تتخيّلي مقدارَ الجزعِ وعدمِ الاستقرار. لكِ أن تتخيّلي مقدارَ الكلماتِ الّتي خرجَت من فمي –بعد ليالٍ مؤرَّقةٍ من التّفكير- على شكلِ صمت.
في كلِّ موعدٍ، حالَما كنتُ أستجمِعُ كلَّ شيءٍ وأنظرُ إليكِ، يغمزُ ليَ السّفَرُ من مرآةٍ خلفَكِ بوجهٍ شاحب، ويُشيرُ إلى موضِع السّاعةِ في رسغِه.
كانت تجمعُ بينَنا الكثيرُ من إرهاصاتِ القُبَل، وتفصِلُنا جحافلُ من الكلماتِ الّتي لمْ تُقَلْ.
آه.. “الكلماتُ الّتي لم تُقَل”.. تركيبٌ خاطئٌ لغويًّا حتّى، إنْ لم تُقَل فكيفَ تكونُ كلمات؟!
القصّة أنّني في الآونةِ الأخيرة أصبحتُ أشعرُ بالانتماءِ للأماكن. و ليسَ الأماكن بمفهومِها العام، بل مكوّناتها. أنتمي إلى الأثاثِ إن شئتِ الدِّقّة.
بقيَ أمامي أن أُتقِنَ لغةَ هذهِ الطّاولة. هذه الطّاولة الّتي تنضحُ بملايينِ الكلِمات الّتي لم تُقَل، كلماتٍ كانَ بوسعِها أن تقولَها كلّها حينَ كانت شجرة، قبلَ أن يغمزَ لها السّفرُ بوجههِ الشّاحب، ويشير إلى موضعِ السّاعةِ في رسغه.