منذ انطلاق الثورة السوريّة، ظهرت أجسامٌ غريبةٌ لا نعرفُ كيف تشكّلت، ولا لماذا، ولا من قبل من! وتفاجأنا بكياناتٍ غريبة كانت تحاول دائماً احكتار القضيّة وادعاء تمثيلها، ابتداءً بتأسيس صفحة “الثورة السورية ضدّ بشار الأسد” وأشباهها، وانتهاء بما نراه اليوم، رغم كلّ المحاولات التي سعت للبحث عن تمثيل حقيقي. هذه الكيانات والأجسام ومن يقف وراءها من جهات سياسية تعمل في الظلّ، عملت على مدى خمس سنواتٍ على تعرية الثورة من ثوريّتها وإلباسها ثياباً لا تناسبها، وأجّجت النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة، وأكلت من لحم أبناء الثورة الذي طهتهُ على نارٍ غريبة ومستوردة! حتّى إنّها ساهمت في تلميع صور أحياء وأموات على حساب أحياء وأموات آخرين، ربّما يفوقونهم ثوريّة، وإخلاصاً، إلّا أنهم لا ينتمون لفئة أيديولوجية معيّنة.
كنتُ في دمشق في عام 2011 حين اتصل بي “سالم” ليقول لي: “مبارك، افتح التلفاز، لقد توحّدوا”، وكان يقصد الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني. لاحقاً اعترف لي أحد أعضائه المنسحبين، بأن هذا الجسم، قد تم تشكيله لمنع تشكيل أي بديل آخر، وتحدّث لي بإسهابٍ عن دور الاستخبارات الدولية وتحديداً الأمريكية في تسييره، وكيف قابله شخصان -عند دخوله المجلس- بصفة ديبلوماسيَين وهما من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولم يعد خافياً على أحد أيضاً، سيطرة تركيا وقطر والسعودية واستخبارتها على قرار المعارضة السورية منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا في إطار مؤتمر الرياض.
حين اشتكى شباب المعضّميّة القلّة في أيام الثورة الأولى، ولم يجدوا خمسة آلاف ليرة ليشتروا أقلاماً وكراتين وأقمشةً، جاءهم من يقول لهم: “أنا أعطيكم، على أن تضعوا اللوغو الخاص بحزبي!”. حين أصبح الشيخُ سياسيّاً، والمجرمُ قائداً وحاملَ همّ أمةٍ، وحينَ تحالفَ الشرّ مع الشرّ كلٌّ حسب طائفته، وحين تسابق تجار الحرب على إدخال الغرباء -مقاتلين وجواسيس- وحين كذب “الإعلاميون” وراحوا ينعون شهداء افتراضيين أوصلوهم بأيديهم إلى الحدود، وحين تاجر كل قوّاد بحكاية المظلومين ليجني منها مالاً وشهرة، حين حدث كلّ هذا وتواطأنا معه، بلى، كان بالإمكان أفضل مما كان، على الأقل، كان يمكن ألا يُتركوا يرقصون على جثث أهلنا وأحبابنا، وأطهر من فينا مقتول أو منسيّ في زنازين الجميع! هم الذين أوصلونا لمرحلة أن نقول “الجميع”.
لقد كنّا مسجونين ننتظر خلاصاً، وكنّا نتوقّع أن نخبةً من “مثقّفي سوريا” قد تساهم في خلاص هذا الشعب من أشنع كوارث التاريخ. اللصّ أصبح داعماً وزعيماً، والفاسد صار بطلاً ومخلّصاً، المسيحيّ أصبح إخوانيّاً، العلمانيّ هلّل للقاعدة، اليساريّ بات يقبض من مناهل الإمبرياليّة ومنابرها، المناضل أعلن عن تأسيس جيش للسنّة، ثم أراد دولةً للدروز، ثم ذهب لإسرائيل ليبيع الجولان، أما الديمقراطي سقط بالانتخابات فألغاها، ثم نجح بالتزكية!
بسبب كلّ هؤلاء، أصبحت مهمة الثوريين نفي الجرائم التي ترتكب باسم الثورة، والدفاع عن نقائها الذي لا يمثّله هؤلاء الذين سرقوا بفضل المال والسلاح والدعم الخارجي حلمَها النقيّ، بسببهم، نحن اليوم مضطرون أن نشرح للعالم عن الفرق بين الثورة والنصرة، وبين الحرية وداعش، وبين النظام ومعتقليه، بفضلهم أصبح هذا الشرح يحتاج لمعجزة لتفسير المفسَّر! هم الذين فعلوا كلّ شيء لينتصر الشر على الخير، وما فعلوا شيئاً ليكونوا شرفاء. لا خيرَ في ثورةٍ تحوي كلّ هذا الوسخ، فما بالكم إذا كانوا ناطقين باسمها!
شاعر وكاتب صحافي من سوريا – فلسطين.
رئيس تحرير صحيفة “أبواب” ومحرر القسم الثقافي سابقاً في مجلة “طلعنا عالحرية”. صدر له في الشعر “سيرًا على الأحلام” 2014 عن دار الأيام – الأردن، وله كتابان قيد الطبع في الشعر “لم ينتبه أحد لموتك” و”لابس تياب السفر” في الشعر المحكي. يكتب في العديد من الصحف والمواقع العربية والألمانية. ترجمت نصوصه وقصائده إلى لغات عديدة كالإنكليزية والألمانية والبوسنية. يعيش في ألمانيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بعد استضافته من قبل مؤسسة الأديب الألماني “هاينرش بول” في منحة تفرّغ إبداعي للكتابة.