أجل، مع الأسف، هناك من فعل …
كل من كان ديموقراطيا وسلمياً وخرج في التظاهرات ورأى بأم عينه وجع الشارع السوري وشباب سوريا وموتهم وقهرهم وسجنهم ووحشية النظام في التعامل مع تمردهم على نظام حكمه القائم الراسخ المتين الشرس العنيف المجرم… كل من كان يعي ذلك… ورغم ذلك استطاع، من اجل إسقاط النظام بأي ثمن، أن يضع تحالفاته ودرب الثورة في جيب أصحاب القوة ورأس المال والسلاح كي يقلبوا له نظام الحكم، استعان بقوة أخرى ونظام آخر وطاقة تدمير شرسة أخرى وذئاب وكلاب شاردة مسعورة أخرى كي تساهم في تحقيق العدالة الإجتماعية والديموقراطية والمجتمع المدني السوري الذي ينشده السوريون، خان سوريا لأنه لم يتنازل عن السلطة الوهمية التي بين يديه ويعلن أنه عاجز، وأن المشروع المدني الحضاري الديموقراطي لسوريا أريد له القتل كما تقتل له سوريا، خان ضميره لأنه لم يشر إلى القتلة المستترين ممولي الموت الطائفي. خان حلمنا لأنه تنازل عن الحلم .
كيف لجبهة النصرة أن تحقق لنا ما قمنا لأجله من حرية ! من مواطنة متساوية ومن عدالة اجتماعيه؟! كيف تمت تلك اللحظات من التفاوض على دم الشارع السوري النبيل الشريف وعلى مبادئه… كيف تمّت صفقة بيع الروح لإبليس من أجل حلم إسقاط النظام!
كانت الحكاية قد ابتدأت منذ زمن طويل… فن العيش في الشارع السوري، فنّ الدفاع عن سوريا بالحب والجمال والفنّ وانتزاع كل خلية حرية من مخالب الممنوعات جميعها والاستبدادات كلها. فكيف اعتقد هؤلاء أن كتاتيب جبهة النصرة وجبهة الإسلام وداعش وأحرار الشام وكل فصيل بديل عن مشروع الديموقراطية والحياة المدنية والمواطنة المتساوية هو الثورة؟!
كيف تمت الصفقة ! واعتبار جبهة النصرة جزء لا يتجزأ من الثورة ! وفي هذه الحال عن أي ثورة نتحدث ! هل هي هذه الغارقة في بحر الأوهام والدّم؟! …
كيف نمزج ابتسامة غياث مطر وعناد رزان زيتونة وعقلها وتواضعها وتلك القدرة العالية على التخطيط ونشر الأمل الذي قام به السوريون من صبايا وشباب في فكرة التنسيقيات وذلك الجهد الجبار في ابتكار صحافة للثورة تكون صوتها ولا تقع فريسة استلابها لصالح إعلام عربي أو عالمي ينجِّر الثورة على هواه. صحافة كانت ولا تزال معيار حضاري مدني ثوري مستقل يشير بلا توقف إلى طريق حرية التعبير عن الرأي… إنها هناك، تبدأ مع السوريين وتحيا معهم. هل كتبت شخصية سياسية معارضة تبوأت السلطة السياسية في السنوات الأربع الأخيرة في جريدة أو منبر ابتكره الشباب السوري للتعبير عنهم! هل عكسوا وروجوا لهذه المنابر! أو تنبّهوا لخطها الثقافي الفكري السياسي.
هل انتبهوا أن هذه الصحف تستمر في إيقاع البناء وليس القتل… لأنها لو فعلت ستحصل على التمويل وستفقد صوتها !
هل قام من يدخل سوريا من شخصيات المعارضة، حيث يحمل السلاح ويتصور أمام العدسات، بحمل جريدة واحدة من الصحف الناطقة باسم الحركة المدنية السورية؟! هل التقط صورة في أي مدرسة تم افتتاحها لتعليم الأطفال الذين أصبحوا في خطر تصحّر العقل ؟!
هل سأل أحدهم كيف استطاع قطع المسافة الفاصلة بينه سابقاً وبينه الآن في شوط واحد هو المال السياسي العسكري وما له من تبعات تبعيّة وانغلاق وانسداد أفق ؟
كيف ستنصرنا جبهة النصرة التي تخطب بالتكفير والعنف والقتل وتتوعدنا بالتفرقة والكراهية الطائفية وباجتثاث الجذور !…
كيف تمت الصفقة ! وفي ظلّ أية وعود عرقوبية تمت ! ؟
هل قامت الثورة لكي نسقط سوريا ضمن شعار النظام “الأسد أو نحرق البلد” ؟!
هل نحرق البلد من أجل إسقاط الأسد أم نسقط الأسد في الإصرار على حضارة البلد ؟
هذا سيسقط سوريا وليس الأنظمة وسيعطي تلك الأنظمة ما تبقى من مفاتيح الحياة والقبور والبيوت…
لم يكن الهدف قطّ أن يتصارع قاتل مع قاتل وأن تقف سوريا مع القاتل المنتصر !
لماذا استبدل الخطّ المدني الديموقراطي ورديفه الجيش الحر حامل المشروع الوطني ممن انشق عن النظام لكي لا يقتل الأخوة والأبناء، لماذا استبدلوه بخطّ عسكري طائفي منغلق ومغلق الأفق؟!
ما الأمل من ذلك؟ وما العمل من أجل إزاحة هؤلاء الحيتان عن صدر ثورتنا .
لم تتنازل رزان زيتونة ولا مازن درويش ولا خليل معتوق ولا سميرة الخليل ولا من لا يزال في السجون، لم يتنازلوا عن العدالة الإجتماعية والكرامة الوطنية والمواطنة المتساوية … وهي التي دفعت أبا فرات من أن يقول قول الحق، ويموت .
لم على السوريين ممن لا يزالون يؤمنون بوحدة سوريا أن يتنازلوا عن إيمانهم ؟ !
المؤامرة ليست فرصة للحوار، هي صفقة للتخاذل .
المؤامرة ليست فرصة للبناء، هي دعوة للمشاركة في المجزرة .
تعدنا المؤامرة التي يشارك فيها كل من هجر حلم الدولة المدنية والمواطنة وأمان العيش المشترك … بمائة عام من العزلة… والنقاب !
كاتبة وشاعرة سورية، مخرجة سينمائية تسجيلية