تحاصر قوات تنظيم “داعش” مدينة كوباني ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري. تدافع قوات الحماية الكردية، المقرّبة من حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يُهادن النظام السوري، بل و ربما يتعاون معه، عن المدينة باستبسال قلّ نظيره.
صدرت في الأيام السابقة آراء متطرفة من بعض العرب والكورد، يتبادلان فيها اتهامات عنصرية حول معركة كوباني، وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر. ما أسباب هذا التوتر؟
من جهة، يرتاب الكثير من السوريين العرب في الحزب ومقاتليه، ويصرّح بعضهم بأن معركة كوباني لا تعنيه، بل وربما يذهب إلى أن يتمنّى سقوط المدينة في يد “داعش”، نكايةً “بحلفاء النظام” الأكراد. من جهة أخرى، ينتشر بين الأكراد ارتياب من العرب و موقفهم غير الواضح من معركة كوباني، ويرتابون أكثر بعلاقة الجيش الحر والكتائب الإسلامية والمعارضة بتركيا، التي يتهمها الأكراد بدعم عصابات البغدادي.
هذا الارتياب المتبادل ليس عابراً ولا مؤقتاً، بل يعبّر عن مواقف حقيقية اتجاه الثورة والنظام ومستقبل العلاقة الكردية – العربية. عملياً، يحارب الأكراد داعش ويهادنون النظام الذي يهادنهم، ويرتابون بعلاقة العرب بالأتراك؛ يحارب العرب النظام ويرتابون في علاقة الأكراد به، ويتحالفون مع تركيا عدو الكرد.
تغيب الحساسية المطلوبة لتفهّم الطرف الآخر وإشكاليات تحالفاته المعقّدة؛ ويغيب، بوضوح، أي مشروع متكامل لمواجهة النظام وداعش معاً، يعطي للمعارك بعداً إنسانياً كونياً. فشل الطرفان في إعطاء قضيتهم البعد الإنساني المنفتح على قيم كونية تضمن الحرية والكرامة للسوريين عرباً وأكراداً.
من جهة، على العرب أن يميّزوا بين حسابات سياسية معقّدة، وغير أخلاقية، يقوم بها قادة الحزب الديمقراطي، وبين معركة يخوضها أبناء كوباني دفاعاً عن مدينتهم في وجه غزو بربري تقوده عصابات البغدادي. لا يجوز، بسبب استنكارنا وخيبتنا من حيادية الحزب الكردي الرئيسي، أن نشجع أو ندعم أو نتجاهل جرائم عصابات البغدادي.
من جهة أخرى يبدو أن الكرد يتجاهلون خيبة أمل العرب من دعم قوات التحالف لهم في معاركهم ضد داعش، وترك بقية السوريين لمصيرهم في مواجهة الأسد وداعش. التغاضي عن حيادية الأحزاب الكردية في علاقتها مع الأسد، وكيل التهم جزافاً إلى كل من يتعاون مع تركيا، ووسم كل من ينتقد وحدات الحماية الكردية وتحالفات الحزب الديمقراطي بالبعثي الصدّامي يعبر عن روح مأزومة في التفكير الكردي.
يبقى أن لموضوع تركيا دور رئيسي في صب النار على الزيت بين العرب والأكراد. يعلم الأكراد أن الدور التركي في معركة كوباني غير داعم لهم، إن لم نقل متواطئ في بعض الأحيان مع داعش؛ في حين يشعر معظم العرب السوريين بامتنان للدور التركي ولاستضافتهم، خصوصاً مقارنةً مع الأشقاء العرب وغير العرب.
قد لا يوجد حل قريب لمشكلة العلاقة مع تركيا بين العرب والكرد السوريين، وقد لا يوجد حلول آنية واضحة لتداخل وتناقض التحالفات، ولخيبات الأمل المتبادلة. ولكن، وراء كل هذه الخلافات المعقّدة والحقيقية، تكمن الرغبة في بناء وطن يتسع للجميع. العنصرية المستشرية اليوم هي مقتل لمعارك التحرير التي خاضها العرب والكرد في سوريا.
انتصار كوباني على عصابات البغدادي انتصار لنا جميعاً، السقوط في مستنقع العنصرية انتصار لعصابات البغدادي ولعصابات الأسد.
علينا أن نحارب العنصرية المستشرية اليوم كما يحارب أبطال كوباني جحافل الغزاة.
طالب دكتوراة في فلسفة اللغة وصحفي سوري