Site icon مجلة طلعنا عالحرية

كتاب جماعي يبحث في أسئلة  “العمل الثقافي السوري في سنوات الجمر”

صدر مؤخرًا كتاب بعنوان “عن العمل الثقافي السوري في سنوات الجمر”، أشرفت على انجازه  المؤسسة السورية “اتجاهات. ثقافة مستقلة”، بالتعاون مع “مجموعة العمل على أولويات العمل الثقافي السوري”، و”دار نشر ممدوح عدوان”، وبدعم من مؤسسة “المورد الثقافي” ضمن برنامجها “السياسات الثقافية في المنطقة العربية”.

دعم الثقافة في مرحلة إعادة البناء ..

يتضمن الكتاب الذي قدّم له الباحث السوري في العلوم السياسية سلام الكواكبي رئيس مجلس أمناء مؤسسة “اتجاهات. ثقافة مستقلة”، على 253 صفحة، ويحوي ثلاثة أبحاث، يتناول أولها: “الآليات الثقافية والإنتاج الثقافي في فترة الأزمة. سوريا والعراق ولبنان”، من إعداد الباحثة الأكاديمية د. ماري إلياس. فيما يتناول البحث الثاني: “دور الثقافة والفنون في تحقيق المصالحة والسلم الأهلي في الدول التي شهدت نزاعات عنيفة”، أنجزته الباحثة راما نجمة. بينما تطرق البحث الثالث، الذي أنجز من قبل “المركز السوري لبحوث السياسات”، إلى “تطوير البنى الثقافية في سوريا”.

يبين الكواكبي في مقدمة الكتاب أنه “يحتوي على ثلاثة أبحاث غنية المحتوى ورفيعة التحليل، ويجيب بتواضع محمود على الكثير من الأسئلة المطروحة سوريًا وعربيًا حول دور الثقافة وأثرها المهيمن”. مشيرًا إلى أن “هذا الكتاب الجامع لهذه البحوث القيّمة في مرحلة تتوالى فيها مشاريع نظرية وبحثية عن عملية إعادة البناء المؤسساتي والإقتصادي في سوريا، ويمكن اعتباره بمثابة الإضافة الضرورية إلى كل هذه الدراسات التي، تجنبت غالبًا الخوض في المجال الثقافي والفني لرسوخ اعتقادات خاطئة تعتبر بأن الثقافة والفن ليسا من الألويات في مرحلة الخروج من الأزمة أو مرحلة إعادة البناء. ويظهر بشكل واضح وجلي من خلال قراءة صفحات الكتاب أن إهمال الحوامل الثقافية في أي مجتمع هو إهمال لاكتمال عملية البناء والتشكيل. خصوصًا في مجتمعات متنوعة كانت إدارة تنوعها من أسوأ الإدارات في العالم وأدت هذه الإدارة إلى تفتتها وتناحرها وتشرذمها”.

جاء البحث الأول لماري إلياس، مقارنة تحليلية بين وضع لبنان الثقافي بعد الحرب الأهلية ووضع العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وذلك “لاستشراف مجموعة من الأسئلة التي تخص الواقع السوري اليوم”، بحسب إلياس، التي تشير هنا أنه “بالنسبة إلى الثقافة في سوريا، أو لنقل الثقافة السوريّة، لأن العديد من المثقفين والعاملين في مجالات لها علاقة بالثقافة من قريب أو بعيد، أصبحوا في بلاد الشتات، يبدو استشراف المستقبل أمرًا معقدًا جدًا، فالواقع السياسي والعسكري يتغير بشكل كبير كل يوم، وهذا المستقبل يتوقف قبل كل شيء على مدى امتداد الأزمة التي يعيشها الشعب السوري، وكيفية تطور الأحداث في البلاد”. ولا تخفي إلياس في سياق دراستها، أنه “لم يكن من السهل رصد ما يجري في سوريا، فالصورة غنيّة لكنها مشوشة، إنما المؤكد أن هناك، من جهة تحجّرًا في التعامل مع المثقفين واستمرارًا في استخدام خطاب ماضوي من قبل السلطة وغيرها من اللاعبين على الساحة”. لافتةً في الخاتمة إلى أنه “منذ بداية الأحداث في سوريا ومهما اعتبرنا أو سمينا هذه الأحداث، برزت مجموعة من الإشكاليات والأسئلة حتى على مستوى (الثورة)، فخارجًا عن الشعارات الأولية التي طرحت، لم يُطرح خطاب متماسك وواحد، من جهة أخرى، تمسكت السلطة بخطاب جامد انغلقت عليه وأغلقت الباب أمام كل حوارٍ ممكن وهذا سيكون كارثيًا على الوضع لو استمر الحال”.

رسم خارطة قيم جديدة ..

فيما تطرق البحث الثاني إلى “دور الثقافة والفنون في تحقيق المصالحة والسلم الأهلي في الدول التي شهدت نزاعات عنيفة”، وفيه تستعرض الباحثة السورية راما نجمة أدوات وأشكال التدخل الثقافي خلال وقت الأزمات، مبينة أن “المجتمع السوري الذي تميز بالتعددية والتباين العرقي والديني واللغوي بين فئاته. بقي التعايش بين مجموعاته المتنوعة مرهونًا بما توفره الفئة الحاكمة من حماية، وليس نتيجة لصيغة قانونية ودستورية قائمة على المساواة بين المواطنين وعلى عقد اجتماعي يجمع بينهم على أساس المواطنة”. لتؤكد “فشل النظام البعثي في وضع المجتمع في بوتقة انصهار واحدة”. ، معللة ذلك أن “النظام الأمني الذي استحكم في مفاصل المجتمع السوري وبنيته الثقافية لعقودٍ، عطَّل الدور الإيجابي للمجتمع في تحمُّل أعبائه في الحفاظ على السلم الأهلي وقيم العيش المشترك التي تتعرض اليوم لخطر حقيقي”.

أما البحث الثالث الذي أنجزه “المركز السوري لبحوث السياسات” بإشراف الباحث جاد الكريم الجباعي، فقد تطرق إلى سبل تطوير البنى والهياكل الثقافية في سوريا.

محددًا أكثر من عشر نقاط لرسم ملامح السياسة الثقافية لسوريا الجديدة. مع التأكيد أنه وانطلاقًا من منهجية البحث التشاركية فإنه يفترض العمل على بناء استراتيجية ثقافية مستقبلية بمشاركة جادة ومنضبطة معرفيًا من قبل شرائح واسعة من المجتمع بالرغم من الظروف الصعبة للأزمة الحالية، لأن تجاوز الأزمة في جذورها يتطلب عملًا جماعيًا بمشاركة حقيقية للوصول إلى تصور مبني على تطلعات وطموحات السوريين، مرتكزًا إلى احترام إنسانيتهم وحفظ حقهم بالتمكن والإبداع والتنوع.

Exit mobile version