دارين الحسن – إدلب
تذهب عبير برفقة مدربتها يومياً إلى شارع واسع على أطراف مدينة إدلب لمتابعة التدرب على قيادة السيارة، وبعد أيام باتت تجلس بكل ثقة وجرأة وراء مقود السيارة، وتتحلى بقوة القلب وبرودة الأعصاب وسرعة البديهة لمواجهة الحوادث الطارئة، مؤكدة أن حالة من القلق اعترتها في البداية من ردود فعل المجتمع، لكنها ما لبثت أن لاقت تشجيعاً من المحيط حسب قولها.
يزداد إقبال النساء على تعلم قيادة السيارات بشكل ملحوظ في إدلب خلال الآونة الأخيرة، نتيجة ظروف الحرب من قصف وتهجير، وضرورة اعتماد النساء على أنفسهن في قضاء حاجات أسرهن، وكثرة المهام والالتزامات الواقعة على عاتقهن.
عبير الأسود (27 عاماً) تدرس الطب البشري في جامعة إدلب، وتضطر للتنقل بين منزلها والجامعة والمركز الطبي الذي تتلقى به التدريب العملي، وتعتبر تعلمها للقيادة أمراً منطقياً وطبيعياً، موضحة: “أضطر يومياً للتنقل من مكان لآخر، وأواجه مشكلة في عدم وجود وسائل للنقل العام في إدلب، الأمر الذي دفعني لتعلم قيادة سيارة والدي، للاعتماد على نفسي في التنقل، والالتزام بالمواعيد، والتخلص من انتظار سيارات الأجرة”.
كذلك حنان السلوم (35 عاماً) وهي نازحة من معرة النعمان إلى مدينة معرة مصرين، وأم لخمسة أبناء، وجدت نفسها مضطرة لتعلم القيادة بعد وفاة زوجها منذ سنتين، “أضطر أحياناً لإسعاف أحد أولادي، أو النزوح من مكان إلى آخر في أوقات القصف، وفي كل مرة أجد نفسي مضطرة لطلب المساعدة من الآخرين، فقررت تعلم القيادة لأتمكن من قيادة سيارة زوجي، وقضاء حاجات أسرتي الملحة دون الحاجة لأحد” تقول حنان.
تعليم القيادة.. مهنة للنساء أيضاً!
روان الحاكورة (35 عاماً) تعمل بمهنة تعليم النساء على قيادة السيارات، لتلبية حاجة المجتمع في ظل غياب مدارس تعليم القيادة في إدلب.
تقول لطلعنا عالحرية: “أعباء الحياة ومتطلباتها أتاحت المجال واسعاً أمام الشريحة النسائية لقيادة السيارات وخدمة أغراضهن اليومية، وإتاحة مساحة من حرية الحركة والتنقل إلى أي مكان، دون أن تحمل زوجها عبء التفرغ من أجل إيصالها، ومن ثم العودة لأخذها، بما فيه مضيعة للوقت و الجهد”.
تلاحظ حنان خلال عملها إقبالاً متزايداً على تعلم قيادة السيارات من قبل النساء، وبما أن قيادة النساء تتسم بالهدوء والالتزام، فهي لا تواجه أي صعوبات في تدريب النساء على قيادة السيارات.
وتوضح أن النساء في إدلب دخلن مجالات عمل جديدة كالإعلام والدفاع المدني والمساعدة في الإسعاف وإنقاذ الأرواح، تزامناً مع فقدان الكثيرات لأزواجهن الذين قضوا في الحرب أو هاجروا خارج البلاد، لذلك، بحسب حنان: “كان لزاماً على النساء تعلم قيادة السيارات التي تساعدهن على النهوض بشكل أفضل بأعبائهن اليومية من تلبية احتياجات العمل والمنزل، وحسن التعامل مع المواقف الطارئة، والاستجابة بسرعة لمتطلبات تلك الحالات”.
تلتزم المدربة ببرنامج منظم للتدريب؛ حيث لا تتخطى المتدربة مرحلة ما إلا بعد إتمامها وإتقانها بشكل كامل، ويتم التدريب العملي على قيادة السيارة بداية في ساحة أو طريق لا يحوي سيارات أخرى، لتكتسب المتدربة مهارات القيادة الأساسية مثل تحريك السيارة، الوقوف بأنواعه، اللف والدوران وخلافها من مهارات مبدئية، ثم تخضع بعدها لاختبار تطبيقي يقيس مدى تمكنها من هذه المهارات التي تم اكتسابها. ويتم بعد ذلك الانتقال إلى التدريب على الطرق العامة، والشوارع المأهولة بالمركبات الأخرى والمشاة، لتتعلم المتدربة من خلال هذا التدريب أسس القيادة والتعامل مع المركبات الأخرى، وتقييم مدى التزامها بقواعد المرور وأسس السلامة على الطريق.
آراء متضاربة!
طالت النساء اللواتي يقدن سيارات في إدلب آراء وردود أفعال متباينة؛ حيث اعتبر البعض القيادة حكراً على الرجال،
كأحمد العوض (40 عاماً) من مدينة معرة النعمان، “ قيادة السيارات تتطلب الجرأة والخشونة للرد على مضايقات الآخرين، وتجاوز الصعوبات الطرقية والخطرة” يقول أحمد، مضيفاً: “المرأة تنقصها الحرفية في معرفة التخلص من ازدحام الطرقات أو تجاوز صعوبات القيادة والسير”.
ولكن النماذج على الأرض تخالف هذا الرأي، وهو ما يأتي في سياق حديث المرشدة الاجتماعية فاطمة العلوش، التي تقول: “تعلم قيادة السيارة شيء مهم بالنسبة للمرأة، وﻻ يوجد ما يمنعها عن ذلك، فهو يساعدها في تقوية شخصيتها، ويعطيها الثقة بنفسها أكثر؛ حيث أن المرأة التي تستطيع قيادة السيارة تكون فاعلة ومؤثرة في مجتمعها أو محيطها الذي تعيش فيه”.
وتضيف: “قيادة النساء للسيارات تتعدّى حدود الرفاهية لتصبح حاجة ملحّة؛ فكثيرة هي المواقف التي تحتاج المرأة إلى القيادة، لمعالجة الحالات الطارئة والظروف الصعبة التي قد تتعرض لها الأسرة، كمرض الأب أو الابن أو أحد أفراد العائلة بصورة مفاجئة، فقيامها بقيادة السيارة والتصرف السريع لإسعافهم يساهم في حمايتهم من حصول أي مكروه”.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج