مجلة طلعنا عالحرية

قلمٌ ورصاصة / فرات الشامي

free_pen

فرات الشامي

حين أشرعُ بالكتابةِ عنها، استأنفُ الكتابةَ عن امرأةٍ أسطوريةٍ، كنت أغوصُ في أعينِ النساء… اغترف المعاني من وجوههن، لكن الحرب فرضت نفسها. حتماً لم أنفصل عن القلم والورقة لكنني غادرت عالم النساء وأخذت الكلمات حيزها الصحيح في زاوية التفكير… بقيت امرأةً واحدةً في ذاكرتي… في كل ليلةٍ أحلم بها فوق سريري الخشبي، ألثمها تارةً… وتارةً ألامس وجنتيها… في آخر مرةٍ لثمتها، اكتشفتُ أن مياه شفتيها تلوث بفعل فاعل!!، ثم تشوهت القصيدة التي نظمتها من أجلها… بعض من حسبتهم أقاربها يعرّون جسدها أمام عيني.

صرختُ: “كيف آمنت بأنهم أهلك؟” ، وسرحتُ بعيداً… بعيداً… إنها خائنة… هكذا النسوةُ اللاتي عرفتهن، يعطين أجسادهن لمن لا يستحق…

همسَتْ: (جميعكم تركني فريسةً لهم)، ثم أشاحت بوجهها ومضت.

لم أفهم شيئاً، وما شأني بما تقول؟!، ربما لأنني لم أحاول أن أفهم كغيري.

لن أكتب عنها بعد اليوم، ما الفائدة من الكتابة في زمن الرصاص والموت…؟ ما الفائدة من الورق في زمن تساقطه …؟ تلك المتاهة والجدلية التي تعج بالأسئلة لم تكن لتسيطر على تفكيري لولا الحصار الخانق على الحرف في كل الأزمنة، حتى في زمن الحريات…!!

– أنت هنا تختار الاستسلام بديلاً عن الإيمان بالقيمة التي خرجت من أجلها… أنتَ مجرمٌ حين تترك امرأةً عاريةً أمام مغتصبيها وترحل… وإلا بما تفسر هروبك..؟!

– أنا ما هربت… أنتِ من بعت نفسك لطاغية…!!

مجردُ مبررٍ للتخلص منها، ومن هول الموت المحيط بنا، ما أبشع الموت… بل ما أتفه أولئك الذين يفرون منه هكذا صرت أفكر بعد أن أدركت كنه حروفها.

تذكرت قلمي…وسيلتي للعبوُر نحو القلوب والعقول… أغزو به أعماقاً مغلقة الأبواب…. افتحها تارةً… وتستعصِ أخرى… أعايش اليأس والأمل.

ومع أنني لم أكترث بالرصاصةِ يوماً، ليس لعدم إيماني بجدواها، لكنني بتُ مؤمناً بمكانتها إلى جانب القلم الذي اخترته صديقاً في السنوات الأخيرة، يومها كنت أخط سطوراً بسيطةً لنفسي، وأرسم لوحةً لعالمٍ حلمتُ أن تتحول إليه دمشق، أذكرُ أني مشيت في حاراتها العتيقة… لم أشتم عطر الأنثى التي عشقت… شجرةُ الليمون ما عادت في مكانها…وريقات الياسمين بلا رائحة… الحيرة تملأ القلوب والوجوه… مشهدُ الرحيل عنها يشبه الغروب في ليلة حرب… بعض من بقي أخطأ فكان صيداً ثميناً لأولئك المتربصين… المغتصبون في ذلك الحين استخدموا الرصاصة والقلم لاعتقالها.

ماذا اختار… أي دربٍ هذا الذي قادتني إليه رغباتي…؟ لا عجب إن اخترتُ ذاك المزيج بين الوعي لروحية معتقدي، واطمئناني لدور جناحيّ الطائر (القلم والرصاصة)… وأمضي في طريقٍ صارت جسراً للعبور… في نهاية المطاف قد أصبح أنا جسراً مع وريقاتي التي كتبتها ورصاص البندقية التي لم تسترح في تنقلاتي.

يتعانق القلم والرصاصة لترتسم لوحةٌ مازالت مشوهة المعالم، فاللمسة بعدُ في طور التكوين، لكن الفكرة ارتدت زيها المناسب للربيع، ومهما يكن من أمرٍ فالألوان ذاتُ طابعٍ مميزٍ.

وجه الشبه بين القلم والرصاصة يكاد يجعلهما يتوحدان، حتى ينعدم التفريق بينهما، كلاهما يقتل ويبني… وله ذات الأثر… قلةٌ من أدركوا واختاروا الطرفين سلاحاً في ثورة الخيارات الصعبة، والأفكار المتشعبة… !!

قلمٌ ورصاصة…. سلاحٌ يتحول إلى جوريةٍ في بستان دمشق… لكن، ما هو الزمن الذي ينفصل فيه الاثنين…؟ لا اعتقد أنه آتٍ في القريب…

بلا ممحاة… هكذا يجب أن نبدأ… ونمضي… أما الأخطاء فتمحوها تصحيحات القلم ذاته واعترافاته… فالممحاة أداة تشويه تاريخية…الحقائق لا تمحى بل تصحح إن سلبتها الأخطاء سمو غايتها.

Exit mobile version