خولة دنيا – بسام الأحمد
فتحت الاحتجاجات السلمية التي بدأت في آذار من العام 2011 وما تلاها من انتفاضة شعبية عارمة الباب على مصراعيه أمام قوات النظام وأجهزته الأمنية لاعتقال عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين، والإيغال في الحل الأمني الذي كان واضحاً أنّه بات أحد الخيارات الاستراتيجية التي اتبعها النظام منذ البداية لقمعه الحراك الشعبي. وكانت من إحدى مظاهر هذا الإيغال أن اتسعت رقعة الاعتقالات التعسفية والتي اتصفت بالعشوائية -عقب كل مظاهرة- في مئات الأحياء والأزقة في مختلف المدن السورية، هذه المدن التي اختبرت العديد من الحالات المشابهة على مرّ الحقب التي لعب فيها حزب البعث العربي الإشتراكي دور “قائد الدولة والمجتمع” في سوريا.
وعلى الرغم من تداخل وضبابية التعريفات والتوصيفات التي رافقت حالات الاعتقال بأشكاله العديدة والمختلفة أو حالات الإختفاء القسري أو حالات الخطف، وحتى في حالات المفقودين الذين لا يعلم ذووهم عنهم أيّ شيء، فقد ألقى ذلك بظلاله حتى على توصيفات أهالي وذوي المعتقلين أنفسهم والكثير من الجهات والوسائل الإعلامية. ولكن يبقى الشائع أنّ المصطلحات المذكورة تشير في جوهرها إلى أناس ومواطنين حرموا من حريتهم نتيجة آراء أو معتقدات شخصية على يد جهات عديدة سواء كانت حكومية منها أو شبه حكومية أو مسلّحة “ثورية” أو إسلامية. وبالرغم أنّ جريمة الاختفاء القسري الأكثر بشاعة من حيث كونها لا تقف عند حدود انتهاك حقوق الشخص المختفي قسرياً بل تتجاوزه إلى أهله وذويه إلاّ أنّ النزاع في سوريا أبرز التبعات الأخرى والتي لا تقل بشاعة عن جرائم مشابهة، منها جريمة الخطف على سبيل المثال لا الحصر.
المعتقلون في وسائل الإعلام البديل:
لا يمكن التورية على حقيقة أن النظام هو المتهم الأول في هذه المأساة، حيث تمّ توثيق عشرات آلاف حالات الاعتقال، إضافة إلى الموت تحت التعذيب في أفرع وسجون النظام وعلى حواجزه وعند ميليشيات تابعة له، ولكنه ليس الوحيد في ذلك؛ فمع تزايد بسط السيطرة من قبل قوى وميليشيات أخرى نجد أن هذا ترافق مع اعتقالات واختفاءات وموت وقتل ومحاكمات شكلية ولأسباب شتّى. ولكن لم يتم تناولها بما تستحق من تسليط للضوء عليها، وفي حين أن داعش استطاعت كسب عداء السوريين وكافة القوى لها، بما قامت به من جرائم الاعتقال والخطف دون حساب، غير أن هناك قوى أخرى لم يتم تسليط الضوء بما يكفي على ممارساتها في المناطق التي تفرض سلطتها عليها، مما يحيل سلوك مؤيديها لما يشبه سلوك مؤيدي النظام في غضّ البصر عن الجرائم المرتكبة.
ولكن، لعلنا قد نجانب الصواب فيما لو قمنا بتحميل مسؤولية إهمال قضايا المعتقلين أو المختفين قسرياً أو المخطوفين -إن جاز التعبير- للجهات والوسائل الإعلامية وحدها دون إشارة أو ذكر لدور منظمات حقوق الإنسان في هذا الإهمال، فمن المعروف أن وسائل الإعلام وتحديداً في حالات تسليط الضوء على قضايا معتقلين محددين تعتمد في تقاريرها الإعلامية على بيانات المنظمات الحقوقية سواء الفردية منها أو المشتركة، وهذا ما يكّرس تماماً الفكرة القائلة بإهمال عشرات الآلاف من المعتقلين القابعين في الأفرع الأمنية والتركيز على عدد قليل قد لا يتجاوز بضع عشرات كما في الحالة السورية. آخذين بعين الاعتبار دور الأهالي وذوي المختفين قسرياً في الحسبان، طالما أننا نتحدث عن بيانات اعتمدت على موافقات الأهل بالنشر والتوزيع بشكل كامل. ومن وخلال مسح بسيط للسنوات الأربع التي مضت من عمر الثورة يمكننا الإدّعاء بقليل من التجاوز بأنّ المنظمات الحقوقية السورية منها والعالمية فشلت في التغطية العادلة لهذه القضايا المهمة وتبعتها في ذلك وسائل الإعلام التي لم تحاول حتى إيجاد آليات بدلية، وبدأ العديد من أهالي المعتقلين أنفسهم يتهم المنظمات بانتهاك أسمى مبادئ حقوق الإنسان، والتي عبّر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عنها في مادته الأولى عندما قال إن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق…
هل الإعلام مستقل في تناوله لقضية المعتقلين والمخطوفين؟
السؤال الأهم من كل ما سبق: ما مدى استقلالية الإعلام وخاصة الإعلام البديل والمفترض به (الجديد والثوري) في تغطيته لقضايا حيوية ومهمة بالنسبة للسوريين الآن وفي المستقبل؟
يبدو أننا –وللأسف- نكاد لا نجد أن قضية بهذا الحجم والأهمية تنال ما تستحقه من الإعلام البديل؛ ففي حين تسلط الأضواء على معتقلين محددين لما تحتويه قصصهم من تشويق إعلامي لا بد منه، أو لمكانتهم التي تجعل منهم رموزا وأيقونات؛ يتم تغييب آلاف مؤلفة من المعتقلين الآخرين ليتحولوا إلى مجرد أرقام. غير أن الأهم كذلك هو ما نراه من خضوع لإرادات الممولين والقوى العسكرية على الأرض، وإيديولوجيات تلك القوى. حيث يتم غض الطرف عما يرتكبه بعضها (إمّا لأنها ممولة بشكل من الأشكال -أو لأنها بنفس الخط الأيديولوجي للوسيلة الإعلامية- أو لأنها تتحكم بالأرض وبالتالي تتحكم بكل ما يصل من وسائل إعلامية مطبوعة أو مسموعة..)، مما يحيلنا لواقع وسائل إعلام النظام وتبعيته، وكأننا ندور في حلقة مفرغة لم تولّد تحولاً ثورياً في طرق العمل الإعلامي من حيادية ومهنية وموضوعية.
المتحدث الإعلامي باسم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا