في أعقاب تقدّم لقوات معارضة لنظام الأسد على الأراضي السورية شمالاً وجنوباً، يجتهد محلّلون ونشطاء في رسم صورة لمستقبل قريب يؤدي إلى ما هو أقلّ إيلاماً من الحاضر السوري المتأزّم.
ليس التقدّم العسكري هو السبب المباشر لموجة التفاؤل هذه، وإنما كلام و(تسريبات) مفاده أن قراراً اتّخذ -أو تتمّ دراسته- يقضي بانفراج و(حسم) قريب وبالتخلّص من الأسد.
يذهب البعض في تفاؤله بعيداً، و”يعمل من البحر طحينة” كما قال المثل السوري؛ لترى فضاء الحوارات بحراً واسعاً يطفو القشّ المتناثر على سطحه. ولا يخفي كثير من هؤلاء تسليمهم بأننا غرقى وأنهم قد بنوا تحليلاتهم على (تغريدة) هنا أو (بوست) هناك أو كلام قيل في رواق ما، سراً أو جهراً..
القاسم المشترك في كل هذه السيناريوهات المحتملة كون السوريين فيها أدوات لإرادات دولية وإقليمية. ومن ستتمّ الاستعانة به منهم كأدوات يعرفون ذلك وينتظرون الأوامر بل يتمنونها… ربما أمكن بعضهم في أحسن الأحوال مناقشة تفاصيل جانبية منها. المهم أن الٍجميع يراهن على ما لا يملكه بيده ولا يمكنه التحكم به. وكونهم أدوات مضبوطة هو أصلاً الشرط في استعمالهم.
بهذا تصبح أسباب هذا التفاؤل هي ذاتها أسباباً للتشاؤم؛ فالبعد الحقيقي الذي يفترض أن يكون صاحب اليد الطولى في القضية غائب، ويعرف أنه غائب والأسوأ أنه يركن إلى ذلك.
من المؤسف أن ندخل في حالة الاستلاب هذه بعد التضحيات الهائلة التي قدمها ويقدمها السوريون، فحتى إنجازاتهم اليوم التي يدفعون ثمنها دماءهم لا تُنسب لهم؛ مثل التقدم في إدلب وقراها مؤخراً وكذلك في درعا والحدود الجنوبية، الذي يتمّ إسناده إلى غير السوريين: (سُمح لهم به)! وأمست انقسامات المعارضة تعرّف بدلالة القوى التي تقف وراء كلّ فئة أو شخص: فلان هو رجل السعودية، وفلان الآخر رجل قطر، وهذا مدعوم من تركيا وذاك علاقته قوية بخارجية كذا كذا!!
هل نتفاءل أم نتشاءم إذاً؟! إن هذا الإعضال في الحالة السورية يضع النخب الفكرية -والسياسية تالياً- أمام مسؤوليات كبيرة لا مناص من تحمّلها.
من بداية الثورة وحتى الآن، لا تزال مشروعات أصحاب الخط الوطني من (النبلاء) أو النخب والأكاديميين الذين مثلوا الشعب السوري تنتهي بإسقاط النظام. وليس هذا في سياق مديحهم بأنهم زاهدون في السلطة على عكس أصحاب الخطوط والمشروعات العابرة للوطنيات، وإنما لقول إن خططهم وطموحاتهم وأحلامهم الشخصيّة والعامة.. كل ذلك يقع في (أوطانهم) البديلة وليس في سوريا. ولهذا أسبابه أيضاً، فمن سيصبر على العيش مع (شعبه) في بلد أنهكته الحرب ودمّرت بناه التحتية والفوقية؟.. بلا كهرباء وماء نظيف ولا شبكات اتصالات ومواصلات، لا مدارس ولا مشاف.. ناهيك عن مشكلات الأمن والنزاعات الداخلية. كل أنواع الخدمات ووسائل العيش المستقرّ ستكون بائسة حتى حين قد يطول انتظاره، خاصة بالمقارنة مع أي منفى اختياري أو طوعي للسوريين المغتربين.
قبل من يمثلهم، احتاج السوريون من نخبهم ومثقفيهم إلى من يتكلّم معهم على أنه منهم، يصارحهم بما يستطيعه وما لا يستطيعه، يكاشفهم بالضغوط الدولية والإقليمية التي تُمارس. يصابر معهم على التمسّك بثوابت وطنية تضع صالحهم وصالح بلدهم أولاً. يتحلّى بالشجاعة أن يقول الحقائق ويناقشها مع أهله ليكونوا ظهراً له. يراهن معهم عليهم، دون أن يخدعهم وينتظر تصفيقهم.
ما خلا ذلك، سيبقى عومنا بلا أشرعة في بحر (من الطحينة)، ينوء بنا القشّ الطافي على سطحه!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.