في 22 كانون الأول 2016 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بعنوان آلية دولية محايدة ومستقلة للمساعدة في التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن أكثر الجرائم خطورة وفق القانون الدولي، والمرتكبة في سوريا منذ مارس آذار عام 2011.
صدر القرار بتأييد 105 أعضاء، ومعارضة 15 وامتناع 522 عن التصويت، وبموجب القرار قررت الجمعية العامة إنشاء آلية، تحت إشراف الأمم المتحدة، للتعاون عن كثب مع اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الانتهاكات في سوريا، من أجل جمع الأدلة والحفاظ عليها وتحليلها. كما ستسهم الآلية في تحضير الملفات من أجل تسهيل وتسريع الإجراءات الجنائية المستقلة والنزيهة، بما يتوافق مع معايير القانون الدولي في محاكم وطنية وإقليمية ودولية، أو المحاكم التي لديها اختصاص حالي أو مستقبلي للنظر في تلك الجرائم.
ماذا يمكن أن يضيف هذا القرار لمسألة العدالة في سوريا؟
ما يمكن ملاحظته أولاً أن العالم وبعد خمس سنوات من ارتكاب أفظع جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، بما فيها السلاح الكيماوي، أراد بهذا القرار أن يغطي عجزه أو تغاضيه وإغلاق أعينه عن هذه الجرائم، بمحاولة إرسال إشارة خجولة بأن مثل هذه الجرائم لن تمر مرور الكرام في النهاية، وأنه سيكون هناك محاسبة وعدالة.
ومع أن طريق إحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، أو إنشاء محكمة خاصة بذلك مغلق بإحكام، بسبب عدم توقيع سوريا على اتفاقية روما الخاصة بإنشاء المحكمة، وتوجب صدور قرار عن مجلس الأمن بذلك، وهو ما يواجه وسيواجه دائماً بالفيتو الروسي بسبب تورط المسؤولين الروس بهذه الجرائم، واحتمال مؤكد بإدانتها إذا فتح هذا الباب. وما زال طرق أبواب المحاكم الوطنية الأوروبية والغربية في بدايات صعبة، ويحتاج لجهود كبيرة وقرارات سياسية غربية بفتح هذا الباب، إلا أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يفتح إمكانية ويعطي أملاً ويرسل إشارة جدية حول نيّة العالم بعدم تجاهل العدالة في النهاية.
وحتى لو كان القرار هو مجرد تشكيل كيان دولي للبدء بجمع الأدلة والوثائق على الجرائم، فهذا أولاً يؤدي إلى حفظ الأدلة لدى مرجعية دولية، حيث لا يمكن التلاعب بهذه الأدلة في المستقبل أو إخفاؤها، كما سيؤدي إلى وجود قاعدة موحدة للأدلة والوثائق والتوثيق الذي تم عبر جهود جبارة للموثقين السوريين الذين دفع عدد كبير منهم حياته ثمناً للحصول عليها.
ويمكن بذلك أن تنتهي حالة توزع الأدلة والوثائق لدى عدد كبير من الجهات، والتي تؤدي إلى ضعف في بناء الملفات، ولا تذهب جهود وحياة الموثقين هدراً بضياع أو فقدان أو إخفاء هذه الأدلة. بالإضافة إلى أمر آخر مهم وهو أن القرار الذي حاز أغلبية دول العالم يرسل إشارة واضحة للقتلة والمجرمين بأن زمن الإفلات من العقاب له حدود، ولا يمكن الاعتماد على حلول سياسية أو تهديد أو ادعاءات بالشرعية لتحمي المجرمين. كما أن القرار المذكور يفتح باب أمل للضحايا بأن حقوقهم لن تهدر وأن المجرمين لن يفلتوا من العقاب، وهذا مهم مستقبلاً لإعادة بناء السلم الأهلي في سوريا.
ومن المهم أن القرار جاء ليؤكد التعاون مع لجان التحقيق التي سبق أن عملت على الملف السوري، وخاصة لجنة التحقيق المشكلة من مجلس حقوق الإنسان عام 2012 ولجان التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي، لأن ذلك يساعد على الانطلاق من حيث وصلت الجهود السابقة، ولن يبدأ من الصفر، وهذا مهم جداً لأن لجان التحقيق تلك لديها ملفات جاهزة ووثائق وأدلة وشهادات هائلة، وبالتالي فإن البناء على تلك التحقيقات سيساعد كثيراً أن تنجز اللجنة المذكورة عملها بسهولة وسرعة أكبر.
كما أن من الأمور الهامة أن توقيت صدور القرار جاء مع بدء العمل على استئناف المفاوضات حول الملف السوري، مما يرسل إشارة واضحة أن ملف العدالة لا يجب أن يكون جزءاً من هذه المفاوضات أو المساومات، وأنه أصبح خارج يد المفاوضين، وأنه لا يمكن التنازل عن محاسبة المجرمين وحقوق الضحايا تحت باب هذه المفاوضات، وأن هذا الملف لا يمكن أن يخضع للتنازل من قبل أي جهة ولا يمكن تغييبه بذريعة وقف الحرب أو تحت أي ذريعة أخرى.
الآن الجميع مدعو للتعاون مع هذا الكيان الأممي ودعم هذا العمل وتجميع كافة الوثائق والملفات والأدلة لجهة واحدة، ونأمل أن تتمكن جهود الجميع من دفع ملف العدالة إلى الواجهة، والدفع باتخاذ إجراءات لاحقة من قبل المجتمع الدولي يفتح باب العدالة بشكل كامل.
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، محرر قسم حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مجلة طلعنا عالحرية