في عام 2006, وفي حدث سنوي هام عالميا بدأ عام 1927, قامت مجلة تايم الأمريكية باختيار شخصية العام لتكون “أنت”. نعم “أنت”, مستخدم الإنترنت الذي يساهم في إنشاء أو توليد محتوى الإنترنت, وذلك بعد عام واحد فقط من الطفرة الكبيرة التي طرأت على هذا المجال من جمع ونشر الأخبار والمعلومات, بعد حادثة تفجير قطارات الأنفاق في لندن واحتراق مستودع هارتفوردشير للنفط في إنكلترا, وما تبع ذلك من مساهمة شهود عيان كثر في توثيق ونقل تطورات هذين الحدثين من خلال الصور والفيديو ونقل الأخبار بطريقة دفعت مؤسسة الإرسال البريطانية BBC بعيد ذلك إلى إنشاء قسم خاص لما اصطلح على تسميته User Generated Content أي المحتوى الذي يولده المستخدم وعينت ثلاثة أشخاص فيه, توسع القسم بعدها, وما لبثت أن أطلقت CNN منصتها الخاصة Ireport (http://ireport.cnn.com/) تبعتها منصة مشابهة لفوكس نيوز أسمتها Youreport (http://ureport.foxnews.com/). أقرت مؤسسات الإعلام التقليدية التي تهيمن على فضاء الإعلام بقيمة الأخبار التي تأتي من مستهلكيها, مستفيدة من عصر المعلومات والإنترنت, وواضعة المستخدم في موقع متقدم لم يكن متاحاً له في السابق.
أصبح المحتوى الذي يولده المستخدم مصدراً للأخبار والمعلومات, وبدأ حجمه بالنمو مع تطور الإنترنت وظهور منصات التواصل الاجتماعي ومنصات تحميل ونشر الفيديو وتطور منصات التدوين, حتى أصبح هناك فائض يربك المستفيدين منه من مستخدمين عاديين أو مؤسسات إعلامية أو بحثية أو أكاديمية أو تجارية, وبدأت معايير التدقيق بالظهور, وبدأت أدوات تدقيق هذا المحتوى بالتطور أيضا, وهو أمر طبيعي في ظل الكم الهائل منه.
لعل أهم سمات هذه الطفرة في توليد المحتوى هي أنها مكنت شاهد العيان, أياً كان من توثيق شهادته. فبعد أن كانت روايات الناس عن الأحداث التي عاشوها وشهدوها تذهب أدراج الرياح بعد موتهم أو موت أبناءهم, أصبح هناك فيض منها سيتاح له البقاء أمداً طويلاً, يعوم في بحر متاح للجميع, ينتظر من يلتقطه, ويجمعه ويبني منه شهادة على عصر كامل. لم يعد الإعلام التقليدي يحتكر نقل الخبر, ولم تعد السلطات تحتكره أيضا, بل أصبح بإمكان المواطن العادي أن يسهم في التقاطه ونشره وإيصاله إلى الناس. لم يعد بإمكان المنتصر أو القوي الانفراد في رواية التاريخ من وجهة نظره, بل أصبح هناك روايات مختلفة لذات القصة, لم تكن متاحة في الغالب من قبل.
كانت الثورة السورية ولازالت حتى اللحظة واحدةً من الأحداث التي اتسمت بتغطية كبيرة جداً من قبل مستخدمي التكنولوجيا العاديين من أبناءها الذين انخرطوا فيها من جميع مشارب الحياة, وقد يجوز القول بأن جل ما تم تناقله ويتم تناقله اليوم عن الأحداث في سوريا مُولدٌ من قبل هؤلاء. هناك بعض المنصات التي أنشأت خصيصاً لجمع بعض هذ المحتوى, وتحليل بعضها لهدف صحفي أو بحثي. ربما أن حجم المحتوى أكبر من أن يحيط به جهد وحيد ويتطلب الكثير من التعاون.
ما يشوب هذا النوع من المحتوى هو الفوضى العارمة التي تعتري بعضه أو جله, والانحياز غير المهني الذي يرافق نشره, والمبالغة أو التضليل أحيانا. إن الاستفادة منه بعد أن تراكم بكميات هائلة تصبح أكثر صعوبة وتعقيدا, لكن الاستفادة الآنية التي تمكن من التدقيق والتحري حين مشاركة المحتوى أمرأ أكثر سهولة.
بالرغم من كل ما تقدم, فإن هذا المحتوى سيندثر وستبقى رواية الآخر فقط إن لم يستثمر وتتم المحافظة عليه, وهو ما يجب أن نعيه جيدا.
مشروع سلامتك