مقالات رأي

في ما خصّ الردّة وقتل المرتد

225364_344857605625573_611352030_n (1)لم يكن بروز داعش ورفعها سيف الردة في وجه معارضيها وقتلهم ذبحا بتهمة الارتداد عن الإسلام إلا بعثاً جديد لقضية الردة وقتل المرتد التي كانت جزءاً من سجال بين فقهاء المسلمين الذين اتفقوا واختلفوا حول المبدأ وحول شروط تنفيذ الحد وآليات التنفيذ على امتداد التاريخ الإسلامي.

بالرغم من موقف القرآن الكريم الجازم والحاسم من حرية الاعتقاد بقوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” (سورة البقرة 256) وقوله: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (سورة يونس 99) وقوله: “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (سورة الكهف 29)، ووجود آيات صريحة تتناول الارتداد عن الإسلام دون تحديد عقوبة في الدنيا وإنما في الآخرة، وهي من حق الله عز وجل، كما في قوله تعالى: “يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصيرٍ” (سورة التوبة 74) وقوله: “يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم” (سورة المائدة 54)، فإن عددا من الفقهاء القدامى والحديثين أصروا على الذهاب إلى أن ثمة حداً للارتداد عن الإسلام متجاهلين مرجعية هذه الآيات ودلالاتها القاطعة.

لقد أقدم الفقهاء الذين دونوا الفقه أيام الدولتين الأموية والعباسية، وكان الخلاف السياسي قد احتدم بين المذاهب وهدّد وحدة الأمة الإسلامية وكيانها، وأخذوا موقف حماة النظام والسلطة والقانون، وقرروا التخلص من كل خارج على المجتمع والدين، أقدموا على ابتداع موقف حّد المرتد بالاستناد الى أحاديث ضعيفة أو موضوعة، وكرّسوا وضع حدود مشددة لم ترد في القرآن الكريم بإضافة معيارين إلى الفقه الإسلامي الأول “من جحد معلوماً من الدين بالضرورة” والثاني “الاستتابة” (دعوة المرتد ونصحه بالعودة للإسلام)، وطبقوهما على الردة عن الإسلام.

ولكن ذلك لم يغلق السجال حول موضوع الردة بل تركه مفتوحاً حيث شهد التاريخ الإسلامي جدلاً حاداً بين الفقهاء حوله وحول آلية الاستتابة بين من يتبنون وجود حد للردة ويميلون إلى التشدد في تطبيقه بالاستناد إلى حديث الرسول (عليه الصلاة والسلام) “من بدّل دينه فاقتلوه” والذين يرون أن لا عقوبة دنيوية للردة بالاستناد إلى قوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” (سورة البقرة 256)، باعتباره نصاً قطعياً وما يأتي بعده في الفقه فهو من الجزئيات التي تحكمها هذه الآية، وإلى عدم وجود سوابق تاريخية لا أيام الرسول ولا أيام الخلفاء الراشدين تفيد بتنفيذ حد الردة ما لم يصحب الردة محاربة الإسلام والاعتداء على المسلمين. وأختلف أصحاب موقف وجود حد للردة حول مدة الاستتابة فالبعض اعتبرها ثلاثة أيام يقتل بعدها المرتد، فى حين رأى آخرون إن حدود الاستتابة تقف عند اليأس من عودة المرتد إلى الإسلام سواء طالت المدة أو قصرت، ورأى آخرون أن المرتد يستتاب أبداً ولا يقتل وذلك لأن التلويح بالقتل في هذه الحالة يعد نوعاً من الإكراه على العودة للإسلام مرة أخرى وهو ما يتنافى مع الآية السابقة.

وكان الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر، من الذين رفضوا وجود حد للردة في الإسلام وقال تعليقاً على استناد دعاة حد المرتد على الحديث الذي رواه ابن عباس من بدل دينه فاقتلوه: “إن كثيراً من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم وإن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه على الدين” (الإسلام عقيدة وشريعة) وذهب الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه “الحرية الدينية في الإسلام” نفس المذهب قال: “إن المرتد لا يقتل وإنما يستتاب أبداً طالما لم يعاد المسلمين، أما إذا عاداهم فـ “يقاتل” ليس كمرتد ولكن كعدو صريح للإسلام” وقال الدكتور علي جمعة (مفتى الديار المصرية): “إن الله قد كفل للبشرية جمعاء حق اختيار دينها دون إكراه أو ضغط خارجي، والاختيار يعني الحرية، والحرية تشمل الحق في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما أن ضررها لا يمتد إلى الآخرين”.

وأضاف: “لهذا قلت إن العقوبة الدنيوية للردة لم تطبق على مدار التاريخ الإسلامي إلا على هؤلاء المرتدين الذين لم يكتفوا بردتهم وإنما سعوا إلى تخريب أسس المجتمع وتدميرها”. ورأى الدكتور محمد سليم العوا “أن عقوبة الردة مجرد تعزير من حق الحاكم وليست حداً مشروعاً له حكم الحدود”. وأنكر الأستاذ جمال البنا وجود حد للردة واعتبره صناعة فقهية سياسية لخدمة الحكام، ولا علاقة لها بحماية الدين، مؤكدا أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى حد الردة، أو وجود عقوبة لمن يخرج عن الدين، فالقرآن الكريم ذكر الردة مرات عديدة ولم يذكر مرة واحدة عقوبة لها، عكس السرقة أو الزنى اللتين وضع الله لكل منهما عقوبة محددة.

فحرية الاعتقاد حق للإنسان ولا قيد عليه إلا عقله وضميره وإن كل ما تفعله داعش بذريعة الردة ليس له سند ديني وهو جريمة ووحشية مستنكرة ومدانة.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top