مجلة طلعنا عالحرية

في فهم السويداء وإنصافها

بقلم: مرزوق الحلبي

رغم كونها ليست مدينة عريقة ولا هي ضاربة في التاريخ، ومع هذا للسويداء ثقل وطنيّ وازن اجترحته مع ريفها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. في مقاومة ظلم العثمانيين وفي مقاومة الاستعمار الفرنسي. وهي تعيش في الوجدان كمركز بانٍ للهويّة والعنفوان على أسُس العزّة والكرامة والتضحية. وهو ما لا يقرؤه نظام المجازر في دمشق ولا عرب عاربة يُحاولون الإمساك بلحظة السويداء الهاربة من قبضة الطاغية.

أهل السويداء وريفها كباقي أهل حوران والشعب السوريّ وشعوب الأرض، يكرهون الظلم بالفطرة. فُطموا في بيئتهم الداخلية على العزّة المتوارثة لكنّهم قُمعوا بأيدي نظام شموليّ أمني حاول تصميم هويتهم على مقاساته بالقهر، بالإرهاب والابتزاز، بكل مناورات الأنظمة الأمنية وأساليبها. لكنهم ظلّوا مسكونين بتاريخهم كجماعة مقاومة للظلم. مقاومة تأتي من شعور متأصّل لدى هذه الجماعة أنهم أسياد أرضهم وجغرافيتهم ومصيرهم، لا أقليّة ولا تابعين. 

صحيح أن الدولة الحديثة لا تُطيق وجود جماعة كهذه، لكنها لعنة التاريخ تطارد الدولة ومسؤوليها. وهي التي أراها تنتصر في نهاية المطاف على قمع الدولة وعنفها. 

وكان دروز السويداء وريفها منذ الثورة رفضوا بغالبيتهم الساحقة الالتحاق بوحدات الجيش الذي يشنّ حربًا على شعبهم. ليس هذا فحسب، بل أنتجوا حركاتهم المقاومة للنظام بما فيه المجموعات العسكرية، وأشهرها شيوخ الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس الذي تم اغتياله في 2015. لكن هناك مجموعات مقاومة مسلّحة أخرى منتشرة هنا وهناك. 

وعليه، ليس صحيحًا الادّعاء أن انضمامهم للثورة يأتي متأخّرًا. لقد أسهموا في الثورة وساندوها بالقوى البشريّة وبالدعم، خاصة عندما استقبلوا كل اللاجئين من درعا وقضائها وريف دمشق بعد حملات النظام القمعية ضدهم.

أمّا العلم الذي يستكثره البعض عليهم، فهو علمهم العقيدي الآتي معهم منذ القرن العاشر. وهو علمهم الطبيعيّ الذي يُوظّف هنا توظيفًا وطنياً، كما كانت أعلام عرمان ومتان والمزرعة والكفر والقريّا ترتفع في المعارك ضدّ الاستعمار الفرنسي. هو العلم الذي يوحّدهم الآن ويجمعهم. وهم حريصون على لمّ شملهم هم بعد عقود من الفتنة والتمزيق بأيدي النظام ووكلائه. هو علم خاص بهم، لكنه في هذه الحالة يحمل معانٍ وطنيّة ضد نظام قمعي ألغى الخصوصيات وصادرها باسم العروبة، لكنه مارس أرذل السياسات الطائفيّة الممكنة ضدّ الشعب السوريّ وشقيقه اللبنانيّ. والخصوصيات ليست ضدّ الوطن بل هي مصدر غناه. وهي ليست طائفيّة بل مواصلة قمع هذه الأعلام هي التي تحمل معاني الطائفية وجرثومتها التي نشرها النظام.

هناك بُعد آخر يخفى عن المراقبين وهو كون العلم في هذه الحالة يُشير إلى انضواء المرجعيات الدينية العقيدية تحت لواء التظاهرات والعصيان المدنيّ، وإن كان بعضها ساير النظام من قبل أو حظي بشرعية منه.

إن ما يحصل في السويداء يحصل لأسباب تتصل بسياسات النظام، أيضًا وليس فقط بفعل ديناميكا الوجود والعدم والتاريخ الداخليّة. فهي تأتي بعد رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسيّة وارتفاع أسعارها بنسبة 300% وأكثر. كما أنها تأتي بعد إغلاق النظام باب الأمل على سوريا، خاصة رفضه أي حديث عن إخلاء سبيل مُعتقلين وسجناء، وحلحلة الأمور. وفي الخلفيّة تنامي زعرنات النظام ومخابراته وعصاباته التي طالت كل الناس في محافظة السويداء ومواردها ومقدّراتها. وهي الأسباب التي ثار بسببها الشعب السوري.

قد يلجأ النظام إلى القمع في هذه المرة أيضاً. لكنني أرجّح أنه سيدفع ثمنًا أكبر كلّما تغوّل في القمع. لأنه استطاع منذ العام 2011 إبقاء الناس في المحافظة بدون زمن خاص بهم. وأرجّح، أيضًا، أن أهل المحافظة في وضع لا يستطيعون فيها العودة إلى الخلف. وكلي أمل أن يحظوا بتغطية ظهورهم من الأسرة الدولية خاصة عن طريق الجار الأردني.

Exit mobile version