يدخل العام الثالث لثورة الكرامة ومعه يتردد سؤال خجول: هل كانت تستحق أهداف الثورة كل هذا الثمن؟…
شهداء ومعتقلون ونازحون وملاحقون ومهجرون… ودمار لا يبدو له آخر؟
في السطور القادمة معلومات تصلح لزاوية (هل تعلم؟) التي تضعها المجلاّت في صفحة المنوعات.
إذا تكلمنا عن مادة تتصارع عليها الدول وتشكل سبباً مباشراً لشن الحروب أو عقد الاتفاقيات والتحالفات. إنتاجها أو تداولها مقيّد باعتبارات سياسية. وتعطي البلدان التي تقع على طريق نقلها نفوذاً وسلطة.. بماذا نفكر؟
البترول طبعاً..
المفاجأة أن هذه المادة -ولغاية وقت قريب- كانت الملح!
نعم.. الملح الذي بالكاد له قيمة اليوم، ربما استدعى -قبل أقلّ من مئة سنة- الحصول على (رشّة) منه اشتعال ثورات بما يرافقها من تغييرات وتضحيات واعتقالات وضحايا، أو قيام حروب أيضاً بما يرافقها من دماء و آلام وعذابات.
بل إنه في بعض الأوقات -ولصعوبة الحصول عليه- عومل الملح كنقد مثل الذهب والفضة!
لنتخيل عاملاً نشيطاً يسعى لرزقه، يتعب ويعرق نهاراً كاملاً أو شهراً ليحصل مقابل تعبه وشغله على (حفنة ملح)! يقبض أجره ويعلقه في كيس صغير على خصره، ثم يشتري طعام عياله وحاجاتهم بقدر من.. الملح!
هل يستحق الحصول على الملح كل هذه (الضريبة)؟
الجواب -وفق معطيات اليوم- يعرفه كل طفل عمره ثمان سنوات، و هو لا طبعاً؛ الملح في كل مكان وهو مجاني وموجود في كل بحر، وأغلب الأرض بحر.
ومثل الملح كمثل الحرية والكرامة والأمان.. وباقي ما قامت الثورة السورية من أجله.. أشياء أساسية جداً ولكن في بعض الأحيان أو الأماكن يعزّ الحصول عليها…
البعض يردد كلاماً بمعنى: (الحرية والكرامة والعدالة غالية وثمنها الدم) وهي فكرة الطغاة -ومن يصدقهم- وليست الحقيقة. لأن هذه القيم -في الأصل- لا ثمن لها، وإنما الطغاة والمستبدون هم الذين (سعّروها) ووضعوا عليها قيوداً وضرائب مثلما فعل أسلافهم من قبل بالملح (في الهند منع الاستعمار البريطاني أن يلتقط الناس الملح إذا وجدوه مترسباً على الشاطئ!)
كم (ثائر) عبر التاريخ قتل أو عذّب لمجرد قوله بكروية الأرض أو إنها تدور أو ليست الأرض مركز الكون؟ كم من الضحايا والعذابات تكبدها أفراد وشعوب في سبيل زعزعة مسلّمات بدت -في وقت ما- نهائية ومطلقة غير قابلة للنقاش.
قبل سنتين وبضعة أيام فقط كان في بلدنا مسلّمات لا تقلّ غرابة عن خرافة أن الأرض مسطحة أو ثابتة.. مثل اعتقاد الكثيرين -حتى من السوريين- أنه لا يوجد مشكلة في بلدنا، أو أن ما كنا نسمعه من أهوال وجرائم ارتكبت بحق الشعب هي أشياء صارت من الماضي.. أما الآن فـ(سوريا بخير)!
ألا يكفي أنه بفضل الثورة وتضحياتها لم يبق إنسان في العالم اليوم لا يعرف أن في سوريا مشكلة. وهذا بحدّ ذاته جزء من الحلّ. فمن لا مشكلة عنده لا يسعى إلى حلّ. ومن لا يوجعه رأسه يظن أنه معافى، ولو كانت أخطر الأمراض تنخر جسمه دون أعراض يراها أو يشعر بها.
مثل هذه المسلّمات لم تكن لتهتزّ إلا بثورة بحجم ثورة الكرامة.
الأكيد أن الحرية والكرامة والعدالة والأمان وجميع ما فقدناه ونثور لأجله هي أشياء ستعود يوماً بديهية ومجانية كما خلقها الله. مثل الملح الذي كان الأغنياء يتباهون بصمده في (ممالح) على موائدهم والآن أصبح أرخص ما تجده في أي بقالية.
غير أن قدرنا، أن ندفع كل ما عندنا مقابل ما هو -في الأصل- حقنا الطبيعي.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.