Site icon مجلة طلعنا عالحرية

في الكرامة.. وضدها

لم تحظ كلمة من الكلمات خلال العقد الأخير من تاريخ سوريا الحديث بهذا الشحن العاطفي الذي حظيت به كلمة “الكرامة”، بل يمكننا القول أنه لم تنل مفردة هذه القدرة على التأثير عبر تاريخ السوريين الحديث كما نالت مفردة “الكرامة”.
ولأنه ككل المفاهيم الفلسفية كانت المفردات المعرفية في البدايات كلمات عادية، وككل الكلمات لها دلالة شعورية / عاطفية حسية، ثم ضمن سياق تاريخي ما يرتبط بفاعلية البشر فتبدأ بالتحول الى “مفاهيم” تساهم بسعي العقل الدائم نحو انشاء لوحة الواقع الموضوعي.
ولأن نضال السويين في السنوات الأخيرة، نضالهم الكبير، باهض الثمن، قد دشن ضرورة انتقال مفردة “الكرامة” من الحيز الشعوري الى حيز (القاموس الدلالي التاريخي) والذي ما أحوج فكر البشر إليه، ولأن الأجيال القادمة ستقرأ أن هذا الشعب انتفض من أجل كرامة مهدورة، بات من الواجب المعرفي الانتقال من “كرامة” كلمة / مفردة الى “كرامة” كلمة / مفهوم. ولأن فلسفة التاريخ هي النوع الأكثر أهمية من طرق تناول التاريخ – حسب هيجل – التي لا تعير للوقائع الكثير من الانتباه بمقدار تركيزها على المجرى العقلي لحركة الواقع، المسار العقلي التي المفاهيم هي مادته الأولى، كل ذلك يدفعنا الى تدقيق وفحص وتحديد هذه الكلمة / المفهوم.
1 – نظام الاستبداد، الدولة الأمنية، جوهرها الأساسي شبكة طويلة ومتشعبة غايتها ربط كل التفاصيل الحياتية لمواطني هذه الدولة بمقدار ولائهم للحاكم الفرد، درجة الولاء هذه تقاس، وبناء على هذا القياس يتقرر مصير ومستقبل هذا المواطن وأسرته وأقربائه، الجزء الكبير من ميزانية الدولة يصرف من أجل هذه الشبكة، والولاء الممتاز يجعل منك وزيرا، الجيد مديرا، “نص على نص” ربما أمينا للسر، أما اذا كنت “غير موالي” فمصيرك هو حياة من العذاب الطويل مع كل من يحيط بك.
ايديولوجيا هذا النظام ضرورية لتقي الفرد من شعوره بالقهر، هي بسيطة وتتلخص بـ “هذه هي طريق السلامة”، طريق سهل لمن لم يدرك بعد أنه كائن حر.
2 – ان بدء ادراك الفرد في ظل نظام الاستبداد بأنه حر، ادراكه أن الحرية هي جوهر روحه، وأن روحه بدون حرية ليست الا شبح يأكل ويشرب وينام، بدء هذا الادراك هو بالضبط بداية النهاية لأنظمة الاستبداد.
3 – يصبح التعدي، الذي كان سابقا غير محسوس، على هذه الحرية المدركة أو أي انتهاك لها هو بداية الشعور بانعدام الكرامة.
4 – الكرامة تأتي بعد وعي الذات لذاتها، بعد ادراكها لمسرحية عانت منها الأمم الشرقية طويلا (أن شخصا معينا فقط هو حر، وهذا الشخص الواحد ليس الا طاغية، لا انسانا حرا.. لأن حريته عبرت عن نفسها نزوات وشراسة وانفعال).
اذا “الكرامة” تأتي بعد، أو تتويجا لـ “الوعي” بـ “الحرية”، تتويجا لـ “الانسان حر كونه انسان”.
5 – بعد أن يصبح الانسان في مملكة “الكرامة”، بعد أن تتغلغل به عقلا وروحا، بعد الشعور المفعم بها، يدرك ضدها، وهذا من طبيعة العقل، يصبح ضدها بيّنا واضحا، هو “الارتهان”. كل من عرف الكرامة لن يستطع أن يرتهن بعد الآن، وكل من لم تجتح روحه الكرامة سيبقى مرتهناً.. أو سيأخذنا الى ارتهان آخر.

Exit mobile version