Site icon مجلة طلعنا عالحرية

في أحد سجون الدكتاتور / كاوا شيخي

12

كاوا شيخي

في أحد السجون تحت الأرض وفي إحدى الغرف المُهمَلةِ تماماً عاش سبعة مساجين اتهموا بأخطر تهمةٍ يتهم بها الإنسان في زمن الدكتاتور ألا وهي عدم محبتهم له، وكان القرار برميهم في تلك الغرفة من السجن تحت الأرض حيث لا ضوء لا صوت.

فقط باب حديدي كبير فيه فتحة كان يقدّم من خلالها الطعام والماء وهكذا مرت السنون.

المصباح الكهربائي الصغير هو الأمل الوحيد الذي تتعلق به عيون الجميع حتى المساء.

الحارس الذي كان يتبادل المناوبة مع آخر على نفس أخلاقه, كان يكره الأصوات العالية ولهذا فقد علّم السجناء الصمت وعلّمهم عدم التنفس عند مروره, وتعلّم السجناء كتم أنفاسهم, وراح كل واحد منهم يتعلم محبة الدكتاتور حتى يتمكن يوماً ما من الخروج.

مرّت السنون وحدث ما لم يكن بالحسبان, لقد سقط الدكتاتور بل أسقط وقتل الحارس الواقف على باب السجن على اعتبار أنه كان من الحرس القديم ودخل الحرس الجديد السجن, اقتحموا أبوابه وأطلقوا السجناء إلا نزلاء الغرفة المهملة فلم يعثروا على مفتاحها ربما لأنها لم يتم استعمالها منذ زمن بعيد، وقف الحرس الجديد على باب الغرفة وضربوا الباب بأقدامهم و صرخوا:

هل يوجد أحد هنا؟

لكن المساجين الذين أتقنوا الصمت كانوا أذكى من أن يغضبوا حارسهم القديم والذي ظنوا بأنه يغير صوته كي يدفعهم للخطأ فيدخل إليهم كما كان يفعل من سنين، ولن يعطوه الفرصة من جديد كي يعيد فتح جروحهم التي لم تندمل بعد, فكان الجواب أن وضعوا أصابعهم على أفواههم ونظروا إلى بعضهم البعض على أن: اسكتوا إنها مكيدة.

انصرف الحرس الجديد على أن لا أحد هنا بينما كانت أصوات أقدامهم وهي تبتعد تعيد الطمأنينة إلى قلوب المساجين السبعة بينما قفز أحدهم بعد أن ابتعد الخطر وراح يمثل دور الحارس القديم وهو يقول: أما قلت لكم حتى لو خربت الدنيا لا أريد أن أسمع أصواتكم, هل اشتقتم إلى سوطي؟ هو أيضا اشتاق لكم، فمنذ زمن طويل لم يرتو من دمائكم الحلوة!

ثم راح السجين يضحك وهو يدعى ضرب الجميع: والآن اخلعوا سراويلكم!

فضحك الجميع وهم يعلنون أن صمتهم قد نجح في ردعه من حيث جاء!

مضى اليوم التالي ولم يحضر الطعام ولكنهم اعتادوا على ذلك, فالحارس كلما غضب من زوجته أو عوقِبَ من قبلها كان يفرض عقوبة على المساجين ويحرمهم من الطعام ولهذا فقد اعتادوا أن يخبئوا ما يدرؤوا به غضب زوجة الحارس عنه وغضب الحارس عنهم فكانوا يتركون من طعامهم قليلا يكفيهم حتى يهدأ الحارس من جديد, وقد حذّرهم عدة مرات “إياكم أن تطالبوني بالطعام فإن العقوبة تبدأ من جديد, فإذا حرمتكم من الطعام فالتزموا الصمت واهدأوا فأنني عندما اهدأ فسأفك الحصار عنكم وأطعمكم”

 دام الحصار ثلاثة أيام, أربعة وقد نفذ المخزون الاحتياطي وفي اليوم الخامس راح الجوع يشهر أنيابه عليهم, لقد طال الحصار هذه المرة, ما العمل؟

تساءل أحدهم: إن أي كلمة أو اعتراض سيجعل العقوبة تبدأ من جديد, وهذا يعني أسبوعا آخر جديداً وسنموت فيه بلا شك!

الغرف الأخرى التي كانت خالية راحت تمتلئ من جديد شيئاً فشيئاً وكان الطعام يأتي إليها إلّا هذه الغرفة والتي ظن الحرس الجديد انه لا يوجد فيها أحد.

سقط عبد الجبار من طوله مغشيا عليه من الجوع, فما كان من رفاقه إلا أن أعادوه إلى مكانه وتجرأوا ولمرة واحدة أن يتمتموا بصوت مسموع:

 رحمتك يا رب !!

وكان صوت خطوات الحارس يملأ الممر, وصوت الصحون والأطباق في وقت الطعام, ولكن لا أحد يقترب من غرفتهم.

في اليوم السابع فقدوا كل أمل وكان عبد الجبار يتنفس بصعوبة بالغة, ذهب أحدهم إلى الباب وضربه بيده بكل أدب فما كان من رفاقه إلا أن جلسوا في أماكنهم بكل أدب منتظرين أن يفتح الباب ليعلنوا للحارس أنهم لم يفعلوا شيئاً وليدلّوه على الذي طرق الباب ,فلم يسمعوا جوابا, فراحت ضربات السجين تشتد شيئاً فشيئاً, ثم فجأة انتبه أحد ما من الحرس الجديد إلى الصوت فوقف على الباب ثم نادى آخرين, و راح أحدهم يصرخ:

 – هل من احد هنا؟

– نعم, نحن هنا آسف للإزعاج ولكن عبد الجبار سيموت إن لم يأكل, أما نحن فلا بأس.

راحوا يبحثون عن أسمائهم ومن وضعهم هنا, فأعلن الموظف إنه لا سجين في سجلاته باسم عبد الجبار, فأعلن رئيس السجن أنهم ربما يكونون خطرين جداً ومقربين من الدكتاتور السابق, ولهذا فقد سجنوا هنا من قبل القيادة, فحتى أنا لم يخبرني أحد عنهم, افتحوا الباب وأحضروهم إلى هنا!

بحثوا عن المفتاح فلم يجدوه، فاضطروا إلى كسر قفل الباب الصدئ و أخرجوا المساجين الذين هالهم عدم وجود الحارس القديم بين الحرس وحتى ملابس الحرس الجديد قد تغيرت, لكن الصمت كان سلاحهم وهم يجرون عبد الجبار وراءهم كخرقة بالية ويدخلون إلى غرفة رئيس السجن.

 أعلن أحدهم: والله العظيم يا سيدي, مهما حصل فإن حب السيد الرئيس القائد يجري في دمائنا, لقد رضعنا حبّه مع حليب أمهاتنا, لقد أورثناه لأولادنا وأخواتنا وزوجاتنا أيضاً، فكيف يمكن أن ننسى حبه.

 قال رئيس السجن: أما قلت لكم أنهم أخطر من كل الآخرين، أعيدوهم إلى مكانهم, و انتظروا أوامر من القيادة بشأنهم!

 – ولكننا يا سيدي جائعون , وفي بلاد السيد الرئيس القائد حفظه الله لا يجوز أن نبقى في هذا الجوع!

 – حسنا سنطعمكم كما نطعم كل السجناء وهكذا كان.

عاد السجناء السبعة إلى زنزانتهم وهم يحملون معهم طعاماً كافياً ولسانهم يلهج بالشكر للدكتاتور، وراحت وجبات الطعام كالعادة تدخل من باب زنزانتهم وعادوا هم إلى صمتهم الذي اعتادوا عليه, بينما راحت قلوبهم تعتاد على حب الدكتاتور!!!

 

Exit mobile version