Site icon مجلة طلعنا عالحرية

فيلق الرحمن – جيش الإسلام.. الغوطة الى أين؟

جيش الإسلام وفيلق الرحمن، اقتتال داخلي وأخبار عن جبهات تتساقط، ومقاتلين من خيرة الشباب تستشهد، وقطاع من أهم القطاعات في الغوطة الشرقية، وهو القطاع الجنوبي، يسقط بيد النظام المجرم، ودعوات من كل غيور على الثورة تصدح لضرورة وقف الاقتتال مستعينين بكل الحجج الدينية والوطنية والأخلاقية والمصلحية..

ولعل أكثر ما يعبر عن حالة الدهشة التي أصابت الجميع مما حدث بالغوطة ما عبر عنه ميشيل كيلو حينما وصف ما يحدث في الغوطة بأنه صراع “الحمقى”، والذي سوف يهدم سقف البيت على الجميع. وبعد جهود لا تكلّ ولا تملّ اشتركت فيها الفعاليات في الغوطة بغالبيتها والفصائل العسكرية والمجالس الإسلامية والعلماء والشخصيات السياسية.. بعد كل هذا الجهد توصلنا لاتفاق في الحدود الدنيا برعاية الدكتور رياض الحجاب. وأنا -كما الكثيرين ممن بقي من المثقفين في الغوطة- آثرنا عدم ابداء الرأي على العلن في المرحلة الماضية كي لا تكون كلمة ما هنا أو عبارة هناك عاملاً مضافاً في إشعال النار المتّقدة في الغوطة؛ فكان الهمّ للجميع هو البحث عن كلمة جامعة لوقف هذا الاقتال العبثي المدمر. واليوم بعد أن وصلنا إلى اتفاق الحدود الدنيا، والذي يجب تدعيمه وترسيخه لأنه ما زال معرضاً في كل يوم للانهيار وعودة حالة الاقتتال، بات يمكن لنا أن نقف متأملين ومحللين لما حدث، ليس بعين الباحث عن تحميل مسؤولية ما حدث لجهة معينة فكلنا نتحمل المسؤولية، ولا لتأجيج الرأي ضدّ أحد ما، وإنما بعين الباحث عن أسباب الفشل التي أوصلتنا إلى هنا، والتي كادت أن تسهم والتي قد تسهم في غرق المركب الذي يحملنا جميعاً.

السؤال الرئيسي الذي يجب أن ننطلق منه: ألم نفاجأ جميعاً باندلاع الاقتتال بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام؟

الحقيقية وبكل وضوح كل من يحمل نظرة واعية لواقع الغوطة وعلى اطلاع بتفاصيل الحياة في الغوطة يدرك أن الاقتتال كان قادماً لا محالة؛ فجميعنا يعرف ذلك دون أن نعرف ساعته أو يومه، ولكننا كنا عاجزين عن وقف تدهور كرة الثلج الدافعة باتجاه هذا الاقتتال، ولعل أهم دوافع هذا الاقتتال العامة هي:

1 –  العقلية التسلطية التي تحملها الفصائل العسكرية بعموم سورية، والتي  تجعلها تنظر لنفسها على أنها المرشحة للحكم بعد إسقاط النظام، ليس بشكل تشاركي مع الآخرين، بل بعقلية التغلب والقهر.

2 –  غياب المؤسسة المدنية أو العسكرية أو المشتركة الحاضنة للجميع، والتي يمكن أن تكون ضامناً للجميع في الأوقات الحرجة.

3 –  غياب المشروع الوطني الجامع والمشاريع الحزبية أو المنهجية.

4 –  تغليف المشاريع العسكرية بعباءات دينية تُظهر الفصيل بأنه الفرقة الناجية الوحيدة وكل الآخرين مخالفين وطغاة وبغاة وخوارج الخ….

5 –  شخصنة قرار الفصيل بشخصية القائد العسكري، وغياب المؤسسة بشكلها العام.

6 – ضعف القطاع المدني وعدم قدرته على خلق ميكانيزمات إصلاحية لهذا الوضع المتردي واصطفاف البعض مع هذا الفصيل أو ذاك.

هذه الأسباب تنطبق بالعموم على غالبية الفصائل في سورية. أما إذا أردنا الدخول بشكل أعمق لتوصيف الحالة في الغوطة، فسنجد أن كلا الفصيلين ارتكب أخطاء أدت إلى ما حدث.

ولنبدأ بجيش الإسلام، فجيش الإسلام في الفترة الأخيرة ارتكب عدداً من الأخطاء دفعت باتجاه هذا الاقتتال ومنها:

1 –  القراءة الخاطئة لتعيين محمد علوش كبير مفاوضين على أنه صك إطلاق اليد في فعل ما يشاء، مع أن القارئ المتمعن لهذا التعيين يجب أن يقرأه بصورة معاكسة؛ فقبيل هذا التعيين دعت روسيا لإدراج جيش الإسلام وأحرار الشام على قائمة الإرهاب، وبالتالي التشريع بضربهما وهذا يعني في الغوطة إقرار بدمار الغوطة، باعتبار جيش الإسلام هو الفصيل الأقوى فيها، وما كان من باقي مكونات المعارضة سوى أن تدرك خطورة ذلك على الثورة عموماً، وبالتالي قامت غالبية مكونات المعارضة باحتضان جيش الإسلام وإفشال المساعي الروسية، وبالتالي فإن الدرس الذي كان يجب أن يستخلص هو ضرورة الشراكة مع الآخر كضامن وحام وليس العكس.

2 –   انسحاب الكتلة المدنية القريبة من جيش الإسلام من مشروع الهيئة العامة في الغوطة الشرقية وبالتالي إضعاف الهيئة العامة عن لعب دور الضامن المدني في مثل هكذا مواقف.

3 –  قيام جيش الإسلام بالاستيلاء على مقرات الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام بعد انضمام الاتحاد لفيلق الرحمن، والذي أثار مخاوف مرعبة لدى جميع الفصائل الأخرى التي اعتبرت نفسها على جدول الاستهداف.

4 – التعامل غير المهني مع قضية الاغتيالات في الغوطة الشرقية.

وعلى مستوى الفيلق كانت هناك أخطاء لا تقل خطورة عما سبق وهي:

1 – تجميد العضوية في القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة، وبالتالي غياب المستوى المؤسسي العسكري مع جيش الإسلام.

2 – الرد على استيلاء الجيش على مقرات الفيلق بتصرفات من نفس القبيل في مناطق يكون فيها الفيلق هو الطرف الأقوى.

3 – وكان الخطأ الأكبر هو إطلاق عملية عسكرية كبيرة اعتبرت من جانب فيلق الرحمن استباقية على عمل مدبر يعده الجيش ضد الفيلق، ولكن هذا الأمر لم يكن محسوب النتائج فدخلنا جميعاً باقتتال كان من نتائجه ما ذكر في المقدمة.

وبالتالي فنتيجة أخطاء الفصيلين وعدم قدرة القطاع المدني على أن يكون ضامناً لهما، انحدر الوضع إلى ما وصل من اقتتال، وبدأت العيون ترتقب قرارات جريئة من قائدي الفصيلين أبو همام قائد جيش الإسلام وأبو النصر قائد فيلق الرحمن، توقف هذا الجنون. وأكبر المصائب التي يجب التوقف عندها في تحليل ما حدث هما أمران أساسيان:

1 – غالبية الحلول التي طرحت انطلقت من مسلمة أن حالة ما قبل الاقتتال هي حالة طبيعية يجب العودة إليها تحت حجة عودة الوفاق والأخوة بين الفصائل، وكأن الفصائلية قدر لا بد منه في الثورة، مع أن الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا هي أن الفصائلية كانت الداء الذي أنهك الثورة والذي إذا ما استمر قد يهلكها.

2 –  ترسيخ قبول العناصر لدى الطرفين لمبدأ إطلاق النار على إخوتهم من باقي الفصائل، وهذا أمر خطير جداً يجب العمل بكل قوة للتوعية بخطورته وحرمة الإقدام عليه ولو صدرت أوامر من القائد بهذا الخصوص.

3 – غياب الرؤية الواضحة لدى قادة الفصائل والعناصر بالدور الذي يجب أن يؤديه السلاح الموجود بين أيديهم، بحماية الشعب السوري والثورة والمناطق المحررة، لنجد أن غاية هذا السلاح تحولت نحو حماية الفصيل! حتى أصبحنا نرى استخداماً كبيراً للذخائر والأسلحة بمواجهة بعضهم بعضاً، في حين أن الجبهات تشهد شحاً في السلاح والذخيرة.

وعليه يمكن القول إن الغوطة الشرقية تمر بمخاض عسير نحو ولادة جديدة، وعلى الجميع أن يكون على مستوى المسؤولية؛ من قادة فصائل إلى ناشطين مدنين إلى فعاليات ومؤسسات.. وإن لم نصل إلى هذا المستوى من المسؤولية، وأنا استبعد ذلك في ظلّ سواد طريقة التفكير المنغلقة للجميع، فأخشى ما أخشاه أن نصل إلى مرحلة نجد فيها أنفسنا مضطرين للجلوس على طاولة نوقع فيها على اتفاق هزيمة، وحينها فقط يمكن أن ندرك جواب السؤال الرئيسي وهو: “الغوطة إلى أين؟”!

Exit mobile version