ضحى عاشور
فلورانس غزلان, امرأة من بلدي, انخرطت مبكراً في العمل السياسي الذي اضطّرها إلى مغادرة سوريا عام 1984, لكنها بقيت تعمل من خارج سوريا لأجل سوريا ديمقراطية حرة. فلورانس مشاركة نشيطة في الفعاليات المرتبطة بالقضية السورية, ولها العديد من الكتابات في “الحوار المتمدن” وغيره, بالإضافة إلى مشاركاتها التلفزيونية التي تحاول عبر إجادتها اللغة الفرنسية تقديم حقيقة ما يجري إلى ذلك الآخر المختلف عن السوريين.
1 – أنت من أوائل المعارضين السياسيين الذين لجؤوا إلى فرنسا منذ 1984, لماذا ابتعدت عن العمل السياسي المباشر واخترت العمل الإغاثي بمسؤولياته اليوميّه المتعبة والمؤلمة؟
*- العمل السياسي المؤدلج لم يعد له مكان في واقعنا المؤلم والمستعصي حالياً، وقد أثبتت الأحزاب التقليدية التي ما زالت “حيّة” عجزها عن لعب دور أساسي فاعل، مشارك، أو مستقطب لشباب الثورة أو مؤثر في أحداثها, ولم تبرز أيا من تشكيلاتها في مقدمة صفوف الثوار ولم تستطع توجيههم! ولهذا أسباب عديدة لامجال هنا لذكرها. لهذا وجدت نفسي في العمل التطوعي الإنساني والوطني، الذي لايميز بين سوري وآخر، فجميعهم يهرب من ويلات حرب طاحنة وموت يلاحقه. وفي هذا العمل واحة من المحبة والعطاء تمنح النفس بعض الراحة وبصيص من الأمل يستمده من عين لاجيء يبحث عن يد تمتد إليه بعد أن فقد كل شي يربطه بالحياة، هذه المسؤولية رغم متاعبها وضعف مردودها، لكنها ضرورية وملحة للحفاظ على ما تبقى من حياة السوريين.
2ــ ماذا غيرّت فرنسا في شخصيتك وتكوينك وقناعاتك (سلباً أو إيجاباً)؟
*- في فرنسا أحسست أني امرأة تمتلك قراراتها، أكثر ثقة بنفسها، تمارس قناعاتها بلا خوف أو قيود اجتماعية، ودون رقيب أمني. تقول رأيها بصراحة دون مواربة أو مجاملة، تعيش بلا أقنعة، لمست الحرية الفردية والعامة بشكلها السليم الخالي من الشوائب أو القوالب الجامدة التي تمنع على جلدي التنفس، لم يعد للخوف أي دور في حياتي، اللهم إلا الخوف على مستقبل وطني.
3ــ أنت رئيسة منتخبة لجميعة “روفيفر” لمساعدة اللاجئين السوريين في فرنسا وخارجها، ما نوع الخدمات التي تقدمها الجمعية؟ وكيف وصلت إلى رئاستها؟
*- “روفيفر” جمعية فرانكوــ سورية، أنشئت عام 2004 لمساعدة معتقلي الرأي السوريين الذين قضوا أعواماً طويلة في سجون الأسد الأب وخرج جلّهم مصاباً بعاهات جسدية ونفسية. لكن بعد انطلاق الثورة اتسعت مجالات عمل الجمعية لتطال الذين اضطرّوا لترك منزلهم ووطنهم, خاصة القادمين إلى فرنسا. نحاول مساعدة القادمين في الحصول على الإقامة والسكن والمدرسة، وتعلم اللغة وتوجيههم نحو تحصيل حقوقهم, وتذليل الصعوبات أمام اندماجهم في المجتمع الجديد، ولهذه الغاية أقمنا مكتباً للمتابعة يفتح أبوابه لكل سوري ثلاثة أيام في الأسبوع.
4ــ استطاع اللاجئون السوريون في فرنسا والذين يزداد عددهم بشكل ملحوظ تنظيم أنفسهم والاستفادة من فضاء الحريات المتاحة في فرنسا للتعبير عن آرائهم وخدمة قضاياهم؟ هل لديك تصورات أو اقتراحات على ضوء معرفتك وخبرتك بالواقع الفرنسي؟
*- باعتقادي لازال الوقت مبكرا للحديث عن نتائج ملموسة وكبيرة بالنسبة للاجئ السوري حديث العهد، أمّا من مرّ عليه أكثر من عام ، فقد بدأت تلوح تباشير الخير والانفتاح وإن بشكل فردي، فهناك الكثير من الوجوه الشابة التي بدأت تنخرط بالعمل والتحصيل العلمي، وتنشط في الدفاع عن وطنها وحقه في الحرية والحياة، وهناك نجاحات وافرة تنتشر في كل مكان وتبرز إبداعاتها في العلم والفن وغيره، لأنها وجدت الحرية التي حرمت منها لتعبر من خلالها عن نفسها وعن أحلامها.
5ــ بمناسبة مظاهرة 11 حزيزان الخاصة “ بالمعتقلين أولاً” التي جرت في باريس، كتبت: “سأتي ولو زحفاً” وشاركت فيها رغم متاعبك الصحية، ما هي الأهمية المميزة لهذه المظاهرة؟ وما هي أصداؤها وفق تقديرك؟
*- لاحل, ولا حرية, ولا أمان لسوريا مادام هناك معتقلي رأي، فبادرة حريتهم هي اللبنة الأولى في مدماك الحل الحقيقي وإعادة اللحمة الوطنية لنسيجها الطبيعي. وقد نجحت المظاهرة بجدارة واستطاعت لفت انتباه المجتمع الفرنسي، ولأول مرة أرى الفرنسي العادي راكباً أم راجلاً يهرع لموبايله كي يلتقط صور المظاهرة، يسأل عنها ويتعاطف معها ، ناهيك عما حققته من أصداء في الإعلام الفرنسي والعربي.
6ــ رغم مشاغلك الكثيرة ومتاعبك الصحية، من أين تستمد كتاباتك ومواقفك حرارتها ومثابرتها؟
*- متاعبي الصحية لايمكنها مهما أعاقت حركتي أن تمنعني عن الكتابة والعمل، ربما تخفف أو تحد من نشاطي، لكني أستغل أي تحسّن لأظل على صلة بكل مايمت للإنسان والوطن السوري.
تمنحني عائلتي الصغيرة القوة والأمل بالدرجة الأولى, وأملي بأن يرى أحفادي ذات يوم سوريا حرة ديمقراطية علمانية كما حلمت أنا وأمهاتهم بها. وثانياً: نساء وطني الصابرات العظيمات المنتظرات والمكافحات للحصول على لقمة غذاء ودواء لأطفالهن، واللواتي يفقدن أعزاء ويبقين واقفات.
ما أفعله لا يذكر أمام معاناتهن وصبرهن، لهذا أسعى حسب قدرتي لأستحق أن أكون سورية مثلهن.
7ــ أنت امرأة تعيش في بلد فيه الكثير من الحريات وحقوق الإنسان، هل فعلاً تستحق الحرية كل التضحيات التي يبذلها الشعب السوري؟ بمعنى ما هل تلمسين الفارق بين نمط حياتك وتفكيرك وخياراتك وبين السوريين الواصلين حديثاً؟
*- الحرية كلمة مقدسة تستحق أن نبذل من أجلها الغالي والنفيس والكثير من التضحيات والدماء، وخير مثال أمامنا الثورة الفرنسية، وقد أكلت أولادها. ونحن لسنا بأفضل حال ومازلنا لم نخرج إلى فضاء هذا الحلم، سيطول طريقنا ويتعثر، وربما لن يتاح لي أن أراه، لكن التاريخ علَّمنا أن الحق لايضيع وأن الظلم لايدوم، وأن الطغاة إلى زوال.
أمّا الفارق الملموس بين نمط حياتي وتفكيري وخياراتي عن بعض السوريين القادمين حديثاً، فباعتقادي أن الأمر لايتعدى كوني كنت مختلفة عنهم وأنا في الوطن وقبل خروجي، فلم أكن يوماً تقليدية، ولم تغيرني فرنسا كثيرا بقدر ما أضافت وقدمت لي وفتحت أمامي سبل الاطلاع والتطور والتغير كذلك ومن لايتغير ويكتسب فهو ليس بإنسان. ربما بعض اللاجئات مرتبكات ومنكسرات نتيجة المعاناة الرهيبة من جرائم الاستبداد بالإضافة إلى تسلط العامل الديني الطاغي على مجتمع سوري أكتشفه غريباً علي.
برأيي أخيراً نحن أبناء سوريا سواء كنا في الداخل أم في الخارج. لكلّ منا دوره، ولكل منا قدراته التي يجب تسخيرها لصالح الانسان صانع الحرية والحياة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج