تواجه غوطة دمشق الشرقية حصاراً شديداً عليها منذ أكثر من عام، ويتواجد فيها الكثير من القوى الثورية المدنية التي تقدم نفسها على أنها تعمل على مساعدة الثوار لتحقيق انتصار الثورة من جهة، ومساعدة الأهالي لتأمين سبل عيشهم وصمودهم من جهة أخرى.
وتمثل المجالس المحلية إلى جانب المكاتب الموحدة (الطبي الموحد، الإغاثي الموحد، الخدمي الموحد) أهم القوى الثورية الفاعلة في الغوطة الشرقية، وبعيداً عن مدى التوافقات والتجاذبات بين هذه المكاتب وبين المجالس المحلية، فإن مبدأ فكرة المجلس المحلي بوصفه الهيئة التمثيلية لمدينة أو بلدة ما، يجعل الاهتمام بانسجامه مع فكرته وأهدافه وسعيه لتحقيقها، أكثر مسألية للبحث والاستقصاء.
تتشكل المجالس المحلية من مجموعة مكاتب، يحدث أحياناً أن يتم انتخابها من شريحة من القوى الثورية والوجهاء في تلك المدينة أو البلدة، ويحدث حيناً آخر أن يتم تعيينهم على أسس توازنات القوى أو غلبة إحداها على البقية.
وقد تتقاطع المجالس المحلية مع المكاتب الموحدة، فيحدث كثيراً أن يكون فرع أحد المكاتب الموحدة هو المكتب ذاته ضمن المجلس المحلي، ما يجعل الجدل الدائم بين المكاتب الموحدة والمجالس المحلية يتمحور حول أيهما جزء من كل، وأيهما “صاحب الشرعية”، ولا يخفى أن يكون دائماً هناك نزاع بين أعضاء المجلس المحلي غير التابعين لمكاتب موحدة وبين زملائهم التابعين لتلك المكاتب، حول مرجعية العمل ومركز أخذ القرارات ضمن المدينة والبلدة الواحدة.
لكن ما يهمنا من أمر، هو مدى اقتراب قطاعات المجتمع ضمن المدينة أو البلدة الواحدة من فاعلية تلك القوى الثورية المدنية التي تتنازع “الشرعية”، واطلاعها وتفاعلها مع ما يعتبر شأنها العام، وهو ما يغيب بشكل لافت في غالبية المدن والبلدات.
إن الصوت الغالب على كل تلك القطاعات البعيدة عن أعمال وكلائهم، هو أن هؤلاء الوكلاء “يسرقون الأموال التي تأتي لمساعدتنا”، و”من حطهم أصلاً قائمين علينا؟!”، ويندر أن يغيب عن كلام أي أحد منهم المطالبة بحقهم في الإغاثة الغذائية التي تأتي لتخفف عنهم ثقل الحصار والجوع، لكنّ “القائمين على الإغاثة يؤثرونها لمقربيهم وذويهم” على حد تعبيرهم.
لا يندر إذن أن لا توجد أي قناة منظمة للتواصل بين السكان المحليين وممثليهم في المجالس المحلية – بغض النظر عن مدى شرعية هؤلاء الممثِّلين من عدمها – وهو ما يجعل أحد أهداف الثورة غير موجود ضمن عمل المجالس المحلية التي من واجبها أن تكون صوت السكان المحليين.
ورغم إمكانية التذرع بعدم وجود القدرة المادية للقيام بإنشاء أقنية للتواصل مع السكان المحليين، إلا أنه من السهل، وبالنزر اليسير من المال، أن يتم العمل على تشكيل لجان أحياء ضمن الوحدة الإدارية التي يمثلها المجلس المحلي، وأن يتم الاجتماع بهم دورياً. كذلك من الممكن أن يتم نشر ملصقات في الشوارع، أو طباعة نشرة دورية، أو فتح مكتب للشكاوى ضمن المجلس المحلي. إضافة لما يمكن أن يتم نشره على مواقع الإنترنت ومناقشته فيها، رغم توقع قلة المتفاعلين المحليين بسبب ظروف الحصار وعدم توفر الإنترنت إلا للقليلين.
إن العمل على إيجاد أقنية تواصل وتفاعل بين المجالس المحلية والسكان المحليين ضرورة لإيجاد الشفافية، ومنح الثقة أو نزعها، وتنمية العمل، وإيجاد أفكار جديدة، وحتى تبرير المجالس المحلية لما لا تستطيع أن تقوم به ضمن ظروفها وتوضيح أسباب عجزها.
من درعا، مواليد 1986. طبيب أسنان وكاتب وناشط مدني يعيش في الغوطة الشرقية