تحقيقات وتداعيات: أصدرت شبكة الأنباء الإنسانية IRIN تقريراً حول تحقيق أمريكي كشف عمليات فساد في المعونات عبر الحدود التركية السورية، مما أدى إلى تعليق تمويل الوكالات الرئيسية بسبب العمولات غير المشروعة والرشوة.
جدير بالذكر أن صدور التقرير وإعلان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في أوائل مايو 2016 بعد سنوات عديدة من الكتمان جاء عقب انسحاب المعارضة من محادثات السلام التي انهارت نتيجة التصعيد العنيف من القوات الروسية وعصابات الأسد، وقد أعلن المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، أن السبب الرئيسي في الانسحاب وتأجيل المفاوضات هو عدم جدية الطرف الآخر، وبشكل خاص عدم وجود أي تغييرات على صعيد المساعدات الإنسانية.
وأشار التقرير إلى أن التحقيقات التي تجريها هيئة رقابية حكومية أمريكية حول الفساد في تقديم المساعدات عبر الحدود التركية السورية تغوص إلى أعماق أكبر مما كان متوقعاً وتكشف عن تورط عدد أكبر من المنظمات غير الحكومية مما ذُكر في تقارير سابقة.
وقد أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يوم 6 مايو أنها طلبت من بعض المنظمات غير الحكومية التي ترسل المساعدات من تركيا إلى سوريا وقف جزء من عملها. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تحقيق يجريه مكتب المفتش العام الذي وجد شبكة من الموردين التجاريين وموظفي المنظمات غير الحكومية وغيرهم ممن تواطأ “للانخراط في تزوير المناقصات ومخططات متعددة للرشوة والعمولات غير المشروعة تتعلق بعقود إيصال المساعدات الإنسانية داخل سوريا”.
وعلى الرغم من أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ترفض التعليق على حالات محددة، فقد كشفت المقابلات التي أجرتها شبكة الأنباء الإنسانية أن التحقيقات قد أثبتت تورط العديد من المنظمات الرئيسية، بما في ذلك الهيئة الطبية الدولية (IMC) ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) والمنظمة غير الحكومية الأيرلندية (GOAL)، وأن تلك المنظمات عوقبت بتعليق التمويل جزئياً على الأقل.
ويسمح قرار مجلس الأمن رقم 2165 الصادر في يوليو 2014 صراحة لوكالات الأمم المتحدة بتقديم المساعدات عبر الحدود السورية الدولية. مع ذلك، فإن المنظمات غير الحكومية الدولية تقوم بإيصال المعونات بهذه الطريقة منذ عام 2012 على الأقل.
ويتم تسليم معظم المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة داخل سوريا عبر الحدود مع تركيا والأردن، وأحياناً لبنان. ولا تقل قيمة المساعدات الرسمية المقدمة عبر الحدود من الجهات المانحة الرئيسية عن 500 مليون دولار سنوياً.
إضاءة: حجم الأموال المقدمة وبحسب الموقع الرسمي لخدمة التتبع المالي التابع للأمم المتحدة يوضح أن حجم الاستجابة لعام 2016 وصل إلى حدود 14% من حجم المساعدات المطلوبة، فيما وصل حجم الاستجابة لعام 2015 إلى 42.8% من حجم المساعدات المطلوبة، ويعكس مستوى الاستجابة بشكل واضح عدم تجاوز 50% مما هو مطلوب سنوياً، مما يعني عدم جدية المانحين في العمل على توصيل المساعدات لإنهاء معاناة السوريين.
فضلاً عما سبق، لم يوضح التقرير أي تفاصيل حول المساعدات المقدمة للسوريين في المناطق التي ما تزال خاضعة لما يسمى ب (الحكومة السورية)، وسبق أن أثيرت العديد من التساؤلات حول المساعدات المخصصة للشعب السوري والتي توضح في عدة تحقيقات وعمليات توثيق لناشطين سوريين أنها تستخدم لدعم مليشيات الأسد، كما أن قسماً كبيراً منها بات سلعة تجارية ضمن الأسواق دون رقيب أو حسيب حول الفساد الموجود في هذا الجانب.
تحليل: ازدواجية المعايير الدولية في التدقيق والتحقيق وعلى الرغم من انها لا تعفي المنظمات الإنسانية السورية المساهمة في الفساد من المسائلة، إلا أنها توضح بشكل منقطع النظير إلى زيادة الأعباء على كاهل الشعب السوري الثائر في وجه طاغية، فقد ساهمت الجهات المانحة بشكل مباشر في عمليات الفساد والإفساد لمنظمات المجتمع المدني، في الوقت الذي عجزت فيه دول العالم مجتمعة عن كسر الحصار القاتل في العديد من المناطق السورية.
تطورات: هذا وأعلنت مؤخراً المجموعة الدولية لدعم سوريا عن اتفاق يبدأ فيه برنامج الأغذية العالمي في إلقاء المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة جواً إذا تعثر وصولها براً بحلول الأول من يوليو/ حزيران المقبل، كما أعلن كيري الأول من أغسطس/آب المقبل موعدا مبدئيا لبدء المرحلة الانتقالية في سوريا.
وذكر وزير الخارجية الأميركي أن المساعدات الإنسانية تستهدف الوصول إلى مناطق دوما وحرستا الشرقية وزملكا وداريا والفوعة وكفريا ومضايا والزبداني والمعضمية واليرموك وكفربطنا، مضيفا أنه بدءا من الأول من الشهر المقبل وفي حال مُنعت الأمم المتحدة من إيصال المساعدات، فإن المجموعة الدولية تدعو برنامج الغذاء العالمي إلى إلقاء المساعدات جوا للمناطق المذكورة.
الفساد ومنظمات المجتمع المدني: على الرغم من الدور المهم المتوقع أن تواجهه منظمات المجتمع المدني الناشئة في ظل الثورة السورية لمواجهة الفساد، إلا أن الوقائع تشير إلى ذوبان هذه المنظمات في بحر الفساد، حيث ما تزال كافة الجهات العاملة في الشأن الإنساني السوري تتكتم عن مصادر التمويل وحجمها وأماكن صرفها، فالشفافية المالية غير موجودة في حسابات المنظمات، على الرغم من أن العديد من المنظمات تشير بشكل واضح في أنظمتها الداخلية وسياساتها إلى أهمية دور الشفافية في التقارير المالية السنوية، إلا أن لكل منظمة أبوابها السرية المخفية حتى عن العاملين فيها، ولا يخفى على أحد أن مجالس إدارة المنظمات وهمية، فضلاً عن عدم وجود أعضاء غير الإدارة.
الجهات المانحة ساهمت بشكل واضح في القضاء على الشفافية وعدم المحاسبة، والذريعة دائماً هي حساسية المعلومات والخطر المحدق بالقائمين على هذه المؤسسات، حيث تعتبر الجهات المانحة ان الإعلان عن حجم التمويل للمشاريع وتوضيح أسماء القائمين عليها يجعلهم عرضة الاستهداف من قبل المسلحين المتطرفين، لتبدو العملية مشابهة تماماً لحالة الفصائل المسلحة التي ترفض التوحد لسبب أساسي لا يحتاج الكثير من التحليلات للكشف عنه، ألا وهو صندوق التمويل الخفي.
مستقل، مهووس في تكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي. مهتم في الشؤون الاقتصادية وريادة الأعمال، محرر القسم الاقتصادي في طلعنا عالحرية