تقارير

فجوة الأجور.. تضاعف معاناة المرأة في إدلب

هاديا منصور

تواجه النساء في إدلب وشمال غرب سوريا غبناً وعدم مساواة في الأجور مع الرجال، وفق منظومة تمييزية واسعة ضد حقوقهن الاقتصادية، على الرغم من تساوي قيمة العمل ذاتها والمجالات ذاتها، ما يبخس المرأة حقوقها ويسهم في التقليل من أهمية عملها ونجاحاتها.
“لا أعلم ما الذي يجعل أجور العمال الذكور تزداد عن أجورنا في كل مرة” تتساءل فرح البشير (34 عاماً) والتي تعمل في موسم قطاف الزيتون الموسمي هذا العام، مع عشرات العمال والعاملات الآخرين.
وتضيف أنهن يخرجن للعمل في ساعات الصباح الأولى، ويتقاسمن العمل في الحقل ويجهدن لإتقان المهام الموكلة إليهن كعاملات، ليعدن أدراجهن مساء بعد يوم شاق من العمل، ليواجهن في نهاية المطاف تمييزاً في الأجور من قبل أرباب العمل، لتحصل النساء على مبلغ 50 ليرة تركية والرجال على 70 ليرة تركية.
تنتقد فرح ما تواجهه المرأة من ظلم وتمييز متعمد، موضحة: “هذا التمييز ليس وليد المرحلة، وإنما من عشرات السنين، ولم أجد تفسيراً لذلك رغم بحثي مطولاً عن الأسباب، لأجد أن اعتبار المرأة دائماً في المرتبة الدونية في مجتمع ذكوري هو العامل الأبرز في هذه القضية”.
وكانت أن أثبتت المرأة السورية قوة وكفاح ونضالاً وتأقلماً مع ظروفها الصعبة التي واجهتها وما تزال تواجهها خلال السنوات الماضية، وما لاقته من نزوح وفقر وقصف ورعب وفقدان، ومع كل ذلك استطاعت أن تثبت ذاتها وتنخرط في أعمال ومجالات عمل جديدة، بغية إعالة أسرتها أو مساعدة زوجها في تحمل الأعباء الكبيرة.
لكن عملها دائماً يصطدم بتحديات مجتمعية تحول دون تكافؤ الفرص والتحرر من التمييز والعنف والتحرش والمساواة في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية.
مساواة في قطاعات معينة.. ولكن!
بعض المحظوظات من النساء الموظفات في منظمات المجتمع المدني، كما يصفهن البعض، يجدن رواتب جيدة ومتساوية مع الموظفين الذكور في كثير من الأحيان، وهنّ يشكلن نسبة قليلة من النساء، في حين تجد الغالبية العظمى ظلماً في توزيع الأجور حين يتعلق الأمر بالعمل في القطاعات الخاصة بالأفراد.
تعمل حسناء الطبال (28 عاماً) في مركز كبير لبيع الألبسة الجاهزة في مدينة إدلب مع عدد من الموظفات والموظفين، مقابل أجر يقدر ب 50 دولار أمريكي شهرياً.
تقول حسناء: “كأن قلة الأجر وعدم تناسبه مطلقاً مع الغلاء الحاصل والجهد الذي نبذله نحن النساء هنا لم يكن كافياً لنعاني أيضاً الظلم الواضح بتوزيع الأجور من خلال منح الرجال رواتب أعلى”.
تخرج حسناء منذ الصباح إلى عملها في مركز بيع الألبسة لتعود مساء، وتبدأ بأعمال المنزل والعناية بأبنائها الثلاثة الذين تركتهم طيلة اليوم عند جارتها، لعدم وجود دور حضانة أو مكان آخر آمن يمكن أن تضع به المرأة العاملة أولادها، فإما أن تضعهم عند جيرانها أو أمها أو إحدى قريباتها.
لا يوجد تقدير للجهود
ورغم كل ما تواجهه المرأة من صعوبات في عملها، إلا أنها لا تجد من يقدر هذا العمل أو يمنحها حقوقها بالشكل الذي لا تشعر معه بالغبن والظلم المجحف بحقها.
صبرية السكري (33 عاماً) والتي تعمل في ورشة لكبس التين المجفف مع أخريات، هي وزميلاتها لا يحصلن على أجور جيدة، عكس الرجال الذين يتقاضون دائماً أجوراً أعلى “على عينك يا تاجر” تقول صبرية.
وتضيف: “النساء جداً مستاءات لما يحصل ولكن لا يستطعن المطالبة بأجور أعلى أو الرفض، كونهن مجبرات على العمل بالأجر الذي يحدده صاحب العمل، وإلا فجوابه الروتيني المعروف قد حفظه الجميع “من لا يعجبه العمل أو الأجر ليس مجبراً على البقاء””.
الظروف القاسية التي تواجه النساء وخاصة المعيلات منهن، تجعلهن يرضين بأي أجر وإن كان قليلاً وغير مناسب، لأنه يبقى “أفضل من لا شئ في ظل الفقر وانعدام الفرص” وفق ما عبرت عنه صبرية.
الباحثة الاجتماعية جمانة الكليب (35 عاماً) تقول: “على الرغم من تأييد المساواة بين الرجال والنساء الذي تدعمه منظمات المجتمع المدني من خلال مشاريعها التي تهدف إلى التوعية والتمكين، إلا أن تطبيقها في الممارسة العملية كان صعباً للغاية”.
وترجع الباحثة الكليب الأسباب إلى “علاقة القوة التاريخية والهيكلية غير المتكافئة بين الرجال والنساء، الفقر والحرمان من الوصول إلى الموارد والفرص التي ما زالت تحد من قدرات النساء والفتيات”.
وتنوه إلى أن أجر المرأة يقل عن الرجل لا لشيء إلا لاختلاف الجنس، والتقديرات الحديثة تشير إلى أن المرأة تحصل على 77 سنتا مقابل كل دولار (100 سنت) يحصل عليه الرجل.
وترى جمانة أن الأمر يتطلب جهوداً مكثفة من المجتمع العالمي بأسره لتعزيز المساواة في الأجر مقابل العمل ذي القيمة المتساوية وزيادة فرص التمكين الاقتصادي للنساء، موضحة أن أولى الخطوات للتصدي لفجوة الأجور بين الجنسين هي القانون وتفعيل دوره.
وكشف تقرير حديث صادر عن منظمة العمل الدولية أن تقليص الفجوة بين الجنسين في العمل لم يشهد أي تحسن يذكر منذ أكثر من 20 عاماً، لكن على الرغم من ذلك أكّد التقرير على أن الطريق واضح نحو إحراز تقدم ملموس يستدعي تحقيق قفزة نوعية وليس مجرد خطوات تدريجية مترددة.
وقالت مانويلا تومي مديرة قسم ظروف العمل والمساواة في منظمة العمل الدولية: “نحن بحاجة لتحقيق قفزة نوعية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين من أجل مستقبل عمل أفضل للجميع يحدد الخطوات القادمة”.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top