مجلة طلعنا عالحرية

فتاة الحسكة.. تعيد فتح ملف الجرائم المرتكبة بحق النساء في سوريا

حسين الخطيب

تنتشر في مختلف أنحاء سوريا قضايا القتل بتهم متعددة يتعرض لها مدنيون منهم نساء ورجال، وأحياناً أطفال، في ظل غياب القوانين وتغاضي المحاكم والجهات الأمنية، التي تعاقب مرتكبي هذه الجرائم، التي ولدت جراء انتشار السلاح في يد كل من يرغب بامتلاكه، دون وجود أي رادع لذلك!
ومن أبرز الجرائم تلك التي تتم بحق النساء بتهمة “الشرف”، والتي تجري بين حين وآخر في مناطق متفرقة من البلاد، في وقت تكثر فيه المحاكم والقضاة وتغيب العدالة، إلا أن الجريمة الأخيرة المروعة التي جرت بحق فتاة في مدينة الحسكة كانت الأكثر تأثيراً على الصعيد المحلي والعالمي، بسبب المشاهد التي صورها المجرمون أثناء ارتكابهم الجريمة بحق الفتاة التي لم يتجاوز عمرها السن القانوني، بتهمة “الشرف”.
تظهر مشاهد مقتل الفتاة اجتماع العديد من الشبان حول الفتاة التي تم استدراجها إلى منزل مهجور في ريف مدينة المالكية في محافظة الحسكة، وهم يتناوبون على إطلاق الرصاص على جسدها، بحجة “غسيل الشرف والعار”، كما يصفها هؤلاء.
ويظهر الفيديو الفتاة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعد رميها بعدة طلقات متفرقة في جميع أنحاء جسدها، وهي تتوسل إخوتها وابن عمها الذين يقومون بقتلها وتعذيبها بوحشية مفرطة.
وبحسب “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” فإن اسم الفتاة البالغة من العمر 16 عاماً (عيدا الحمودي السعيدو) وتقيم مع عائلتها في حي الزهور (حوش الباعر) في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، وهي من عشيرة (الشرابين)، تم قتلها على يد أفراد عائلتها بذريعة “الشرف”.
وفي ملابسات القصة فإن الفتاة رفضت الزواج من ابن عمها الذي اختارته أسرتها زوجاً لها، ويدعى (أحمد السعيدو)، باعتبار العادات تفترض أن ابنة العم لابن عمها! إلا أن محاولات أسرتها بإقناعها في الزواج من ابن عمها بائت بالفشل، مما دعا الأسرة إلى ضربها ومنعها الخروج من المنزل.
وبعد مراقبتها لعدة أيام اكتشفت الأسرة أن الفتاة ترغب بالزواج من شاب آخر يحبها، وتقدم لخطبتها إلا أن أسرتها رفضت طلب الشاب، وسجنت الفتاة في غرفتها مع تعذيبها وقطع الطعام والشراب عنها قبل الشروع بقتلها.
وعلى إثر ذلك زعمت الأسرة أنها وجدت الفتاة بريف الحسكة، أثناء هربها مع الشاب ووالدته التي اتفقت معها للخروج وابنها إلى خارج البلاد نحو كردستان العراق، وتلك ذريعة الأسرة.
راوية المحمد من مدينة الحسكة تقول خلال حديثها لمجلة “طلعنا على الحرية” إن “السلطات المحلية المتمثلة بالإدارة الذاتية لم تحرك أي ساكن تجاه الجريمة، إلا أنه هناك ردود فعل خجولة حول الموضوع، ولكن نتيجة انتشار القضية في داخل سوريا وخارجها أجبرت بعض مؤسسات حماية المرأة على التنديد بالقضية، علماً أن هذه القضايا تجري كثيراً في المنطقة”.
وأضافت أن “السلاح منتشر في الحسكة بشكل كبير بسبب تردي الوضع الأمني، و”قسد” هي المسؤولة عن انتشاره، كما ظهر في الشريط المصور مشاركة أحد عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي في الجريمة”.
وأوضحت: “أن طريقة القتل التي جرت بحق فتاة الحسكة هي المتعارف عليه في المنطقة؛ أن كل فتاة تهرب من منزلها، متزوجة أو عزباء، مصيرها القتل، وطبعاً هي من العادات السلبية في المجتمع، لكن الانفلات الأمني زاد من ارتفاع عدد الجرائم”.
وقابلنا في الجهة المقابلة “صالح” وهو اسم مستعار لشاب يقيم في حي الزهور بمدينة الحسكة ورفض الكشف عن اسمه، وقال لمجلة “طلعنا على الحرية”: “يعني كل فتاة هربت وخطفت من منزلها ووضعت رأس عائلتها في الأرض يجب علينا تشجيعها؟ لكي يقال عنا “مجتمع متحضر وديمقراطي”! إن هذه القضايا تجري في معظم بلدان الوطن العربي.. عوضاً عن التعاطف يجب علينا علاج الموضوع وتربية أبنائنا تربية سليمة واعية”.
ويضيف: “ما يجري سببه “قسد” التي تسيطر على المنطقة، والأفكار التي تنشرها في المجتمع، حتى وصل الحال بنا إلى رؤية خطف وهروب الفتاة من المنزل عادي جداً، في وقت تذهب مئات الفتيات إلى معسكرات “قسد” للخدمة العسكرية في صفوفها”.
من جهتها “أحلام حسن” العاملة في “مركز آسو للدراسات والاستشارات القانونية”، تقول: “إن تصرف عائلة الفتاة مجرد من الأخلاق الإنسانية ومنافٍ للمواثيق الدولية، وليس من حق إنسان سلب حياة إنسان مهما تعاظمت الأسباب، ويجب أن يحاسب مرتكبو الجريمة”.
من جانبه “نايف محمد” يقول لمجلة “طلعنا على الحرية”: السلطات المحلية في المنطقة والعائلة هم المسؤولون عن قتل الفتاة، وفعلياً ليس هناك مساحة آمنة تلجأ لها الفتاة في منطقتنا، علماً أن العديد من الجرائم التي ترتكب غير معلنة وضحيتها فتيات”. وأضاف: “جرت عملية قتل الفتاة من منطلق أن شرف الفتاة يرتبط بشرف العائلة كلها والحفاظ عليه يعني المحافظة على شرف العائلة”.
وتنص المادة 17 من قانون المرأة الذي أقرته الإدارة الذاتية الكردية في مناطق شمال شرق سوريا على “تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جـريمـة مكتملة الأركان”، وعلى الرغم من وجود القوانين لحماية المرأة وحماية الإنسان التي أقرتها الإدارة الذاتية في مناطقها، إلا أن تطبيقها فعلياً غير موجود في ظل استمرار الجرائم المرتكبة بحق المدنيين نساء ورجالاً وأطفالاً.
وخلال شهر حزيران/ يونيو الماضي لقيت فتاة مصرعها ووالدتها في مخيم بريف إدلب، على يد ابن عمها بعد انتشار صورة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ مطلع شهر تموز/ يوليو حتى الآن جرى العديد من الجرائم؛ حيث قتل رجل من مدينة حلب زوجته في مدينة عفرين بأداة “الكريك” وأشعل النار بقدميه، كما قتلت فتاة أخرى في مخيم شمارين في ريف مدينة اعزاز، وكذلك أيضاً في مدينة الحسكة أقدم شاب على طعن ابنة عمه بأداة حادة في المربع الأمني داخل المدينة.

Exit mobile version