مجلة طلعنا عالحرية

غسان الجباعي وسؤال “الثقافة الحقيقية” في آتون اللهب السوري

يسعى غسان الجباعي في مؤلفه “الثقافة والاستبداد” (136صفحة من القطع المتوسط)، الصادر في 2015 عن “دار نون للنشر”–الإمارات، إلى مناقشة مجموعة من المصطلحات، كثيرة الاستعمال، مثل الثقافة والمثقف والحرية والاستبداد والثورة، ليس بوصفها مصطلحات أكاديمية يريد أن يقدم فيها جديدَا مفاهيميَا، بل يريد أن يسائلها في بلد تغلي في آتون اللهب ومِرجل الأزمات، وفي ضوء الحراك اليومي الذي تشهده الثقافة العربية في ظل المتغيرات الكثيرة، التي نجدها، نتيجة التحوّلات السياسية والاجتماعية والفكرية التي نعيشها اليوم.

ويضع الجباعي، الذي قضى نحو تسع سنوات من عمره في سجون الأسد الأب، كل هذه المصطلحات وغيرها، محط اختبار أمام تجربة الثورة السورية، بصفتها تجربة معاشة وضعت المثقف والمسؤول معًا، والمواطن كذلك على محك الموقف، كأنها تقول له: لابدّ من رأي، حيث يضيء على تجربة الحراك السوري، ويقدّم لمحة تاريخية عن تاريخ الاستبداد في الخمسين سنة الأخيرة من تاريخ سوريا (عهد الأسد الأب والابن الوريث)، ويرصد عددًا من القرارات المتعلقة بعسكرة المؤسسات وسلب قراراتها، إذ تحوَّلتْ “سلطة الأب القائد وأجهزته الأمنية والعسكرية وتحولت معه الثقافة السورية مثلها مثل كل شيء إلى طائر كريم مقصوص الجناح”.

دعوة لمعرفة من هو المثقف الحقيقي

وبحسب الكاتب السوري، فإن “الاستبداد ليس مجرد سلطة سياسية، بل هو سلطة مهيمنة متخلّفة، لاعقلانية، تحتاج إلى مقاربة مختلفة لعلاقة الثقافة، ليس بسلطة المستبد فقط، بل بسلطة الحزب وسلطة الأمن وسلطة الدين ورأس المال والعقيدة والأخلاق والعادات والتقاليد الاجتماعية، التي تكتسب دورًا هامًا، في ظل الاستبداد، وكل أنواع السلطات الأخرى المعادية للثقافة عمومًا، التي يحتضنها، أو التي تمنع وتحدّ من حرية الثقافة والإبداع.

أما الثقافة فهي “مفهوم متغيّر في ذاته، تفاعليّ وانقلابيّ في علاقته مع السلطات السياسية والمجتمعية المتخلفة” والمثقفون علامات ورموز تُعَرَّف بهم المجتمعات، وقسم منهم يصبح رمزًا لـ “جغرافيا، أو تاريخ، أو دولة”. من هنا فإنَّ ذكر ألمانيا ارتبط بهيغل وبريخت، وفرنسا تذكر مع بلزاك وفولتير وسارتر، والحضارة العربية ترتبط بالمتنبي والجاحظ والفارابي وابن رشد وصولاً إلى جبران ومحمود درويش.. لذلك، وقبل هذا وغيره، يدعونا الجباعي هنا لمعرفة من هو المثقف الحقيقي في بلدنا وعصرنا: صاحب المهنة الفكرية؟ أم الذي يعمل على إزعاج السلطة والتشويش عليها فقط؟ منتج الثقافة، أم مستهلكها؟ المحترف أم الهاوي؟ المستقل أم المتحزّب؟ التقدمي أم الرجعي، أم الثوري الطليعي؟ بوق السلطة، أم بوق الجماهير؟ الانتهازي الأنانيّ، الذي لا يهتم إلا بنفسه، أم المثقف الغيور الذي يهتم بالبشرية كلها؟ المثقف الوطني، المحلي؟ أم المثقف العالمي الشمولي.؟”.

كما يطرح المؤلف بين دفتي الكتّاب جملة من القضايا المهمة لمناقشتها، لعل أهمها ما هو دور الثقافة ووظيفتها أخيرًا؟ وهل لها وظيفة أصلاً؟ وهل هي فن أم علم؟ إبداع أم اختراع أم رؤيا؟”.

ومما جاء في كلمة الغلاف الخارجي للكتاب: “ثمة من يقول: إن الثقافة لا قيمة فعلية لها، في مجتمعاتنا المتخلفة وأنظمتنا المستبدة المعادية للحرية. وإن دورها تابع للسلطة، وثانوي. وإن المثقفين مجرد صانعي أوهام ومستهلكي حبر! وهم شخصيات ورقيّة، انتهازية، أو مجرد صرخات ميتة على موجات الأثير! متجاهلين أن الثقافة، في كل الأحوال، هي نشاط اجتماعي وظاهرة تاريخية، نصنعها وتصنعنا. وهي قيمة بحد ذاتها، مثلها مثل العلم والجمال والمعرفة. وأن المثقف قد يكون متطفلاً على الثقافة أو بوقًا للسلطة، وقد يكون مثقفًا حقيقيًا، منتجًا للثقافة ومدافعًا عنها، علينا أولاً أن نحدد: عن أية ثقافة نتحدث وعن أي مثقف؟”.

——————————————-

الجباعي في سطور

مخرج مسرحي وكاتب درامي، ولد في قطنا عام 1952، متخصص بالأدب العربي. ودرس في المعهد العالي للفنون المسرحية معهد «كاربينكا كاري» الحكومي في مدينة كييف، حيث حصل على شهادة الماجيستير في الإخراج المسرحي عام 1981.

اشتغل في المسرح ممثلاً ومخرجًا ثم مُدرسًا في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لمادتي التمثيل ومبادئ الإخراج. وهو عضو نقابة الفنانين السوريين.

وقد أخرج العديد من المسرحيات كما شارك كممثل في العديد من الأفلام السينمائية ومنها فيلم “وثائقي عن تجربة السجن”، حيث اعتقل في نهاية العام 1982 بتهمة الانتماء إلى حزب البعث الديمقراطي، الذي كان محظورًا في سوريا، ليمضي تسعة أعوام من عمره نصفها في سجن صيدنايا الرهيب، والنصف الآخر في سجن تدمر المرعب.

كذلك كتب الجباعي أعمالاً قصصية ومسرحية منها: “أصابع الموز”، و”جنراليوس”، و”الشقيقة”، و”بودي الحارس”، و”الوحل”، و”رغوة الكلام”. كما صدرت له العام 2014 رواية “قهوة الجنرال”، عن “دار نون للنشر”، حول رحلته الطويلة بين المعتقلات والسجون وبيوت البغاء السريّة، التي تتداخل فيها الأزمنة والحيوات، كما يتداخل المنطق وما يتجاوزه أيضًا، والتي حازت المرتبة الثانية في “جائزة المزرعة” التي تشرف عليها رابطة الكتاب السوريين.

Exit mobile version