غسان ناصر -طلعنا عالحرية
«عين الشرق – هايبرثيميسيا21»، عنوان الرواية الثانية للشاعر والكاتب السوري إبراهيم الجبين (المقيم في ألمانيا)، والتي صدرت قبل أيام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت/ عمّان).
جاءت الرواية في 360 صفحة من القطع المتوسط، وقد صمم الغلاف الذي احتوى على رسم للفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، الشاعر والفنان الفلسطيني زهير أبو شايب.
يستهل المؤلف روايته بالآية الأولى من “سفر إشعيا – الإصحاح السابع عشر” من التوراة والتي تقول: “وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ”.
وفي الصفحة التي يليها يشير الجبين” إلى أن “20 حالة من مرض الهايبرثيميسيا فقط تم اكتشافها في أنحاء العالم حتى اللحظة”. و”الهايبرثيميسيا” في لغة العلم هي مرض نادر جداً، وبحسب العلماء فـ”الهايبرثيميسيا” تطلق على حالة فرط الاستذكار أو متلازمة فرط الاستذكار أو الذاكرة السيرية – الذاتية بالغة القوة، وهي تُعد حالة مرضية نادرة تجعل الشخص المصاب بها يتذكر كل لحظة في حياته بكل تفاصيلها ولا ينسَ شيئاً مهما مرت السنوات.
السارد ما بين الواقع والخيال ..
تبدأ الرواية بعلاقة جمعت السارد مع رسام عجوز في مرسمه في التكية السليمانية في دمشق، مهووس بجمع الأشياء القديمة، كان قد عمل في الشعبة الثانية (المخابرات السورية) في الخمسينيات، وأطلق بيده رصاصة الرحمة، كما يقول، على الكثيرين من معارضي السلطات التي حكمت سوريا وبلاد الشام.
وفي مسارات ثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل)، نعيش في «عين الشرق» مع شخصيات هي حاضرة بيننا اليوم وأخرى ارتحلت، ومع من استقدمهم الكاتب من عمق التاريخ.. ومع ملل ونحل وطوائف وأعراق ومذاهب فكرية.. وأيضًا مع شوارع وأمكنة كثيرة في دمشق.. ليقدم كل هذا في لحظة ملتهبة من تاريخ سوريا المعاصر مؤكدًا أنّ “ما يحدث في دمشق عادة يغير المشرق كله”.
هنا يستحضر “الجبين” شيخ الإسلام ابن تيمية، والأمير عبد القادر الجزائري، والرئيس الراحل أديب الشيشكلي، وحافظ الأسد (إله البساطة، إله الأرض، إله العلويين)، وصديق عمره صلاح جديد الذي طعنه (الإله) بالظهر، ونور الدين الأتاسي، وعصام العطار ونجاح العطار (الوزيرة في عهد الأسد الأب ونائبة الرئيس الوريث)، واليهودي إخاد الذي هاجر من دمشق، والجاسوس الإسرائيلي إيليا كوهين، والزعيم الكردي عبدالله أوجلان، وأبو القعقاع السوري (محمود قول أغاسي) الذي أسس تنظيم “داعش”، ولؤي كيالي، وصبحي الحديدي، ومظفر النواب، وأدونيس، وغيره من النخب التي تواطئت ضد الشعب.. وضحايا وقتلة ورجال حكم وضباط ومثقفين وفنانين ونساء جميلات)، شخوص كثيرة جمعها في مكان واحد عبر أزمنة مختلفة من التاريخ، الرابط بينها كلها “عين الشرق” دمشق.
وبين الحقيقة وخيال السارد يُخبرنا إبراهيم الجبين كيف أن حافظ الأسد الذي وصفه بـ”الدكتاتور العجوز”، لم يمت، كما أعلنت أسرته، لكنه وبعد أن خرف ولم يعد قادراً على التركيز، تم توريث الحكم لابنه وهو حي، وتم وضعه في غرفة معزولة تحت عناية طبية مشددة، فهو بين الغيبوبة والصحو، بين الذاكرة والغضب، بين الرغبة بالانتحار والرغبة بالعودة إلى لذة الحكم والقدرة على القتل.
يقول الكاتب عن عمله الجديد: “في هذه الرواية، رصدتُ يوميات عشتُها في دمشق، ما بين الخيال والواقع، وربما بهما معاً، وقد لا أميز مرات، أيّ منهما هو الواقع، الخيال أم الواقع ذاته. مبتدءاً من مدن سورية عديدة، أشخاص قدموا من ثقافات عديدة، محملين ببضائعهم الإنسانية والوحشية معاً، فاخترقوا عوالم الفكر والأدب والفنون، مغرقين المدينة في التهتك، مواصلين رجم المجتمع السوري العريض الذي اشتهر بتعدده وبساطته وتعقيده في الوقت ذاته، وهو ذاته المجتمع الذي سمّاه النظام السوري لاحقاً “البيئة الحاضنة للإرهاب” مبرراً كل أشكال الإبادة التي طبقها على سكّانه في مدنه وأريافه”.
ويؤكد الراوئي أن “كثيرون سيعرفون أنفسهم في «عين الشرق – هايبرثيميسيا21». ولربما تغيرت، أحيانًا، أسماء وملامح، إلا أن اللحظة الطويلة التي سبقت انفجار الجسد السوري، لم تكن بلا مقدمات ولا أبطال ساهموا في زيادة تلك التضاريس وعورة، وكانوا من بين أسباب كتابة هذه الرواية”.
جدير بالذكر أن العمل الروائي الأول للجبين “يوميات يهودي من دمشق” (دمشق 2007) قد أثار الكثير من الجدل بسبب تناوله لموضوعين اعتبرا حين صدوره من المواضيع المحرمة؛ يهود دمشق، وعلاقة قادة تنظيم القاعدة مع الأجهزة الأمنية السورية. وكان أبو القعقاع السوري أحد أبطال “يوميات يهودي من دمشق” قد اغتيل في حلب، بعد ستة أشهر من صدور الرواية، بعد أن كان مقرباً من السلطة في دمشق، وعرف عنه دوره المبكر في تصدير المجاهدين عبر الحدود السورية، وتأسيس ما بات يعرف لاحقاً باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
و”الجبين” كاتب وشاعر وإعلامي سوري، يعمل محرراً في صحيفة “العرب” اللندنية. ويشغل مدير تحرير مجلة “دمشق” (المجلة الفكرية الثقافية السورية الصادرة في لندن) 2012. وهو ينشر مقالاته في الصحف والمجلات العربية منذ أواسط الثمانينات. وكان أن شارك في إعداد وتقديم برامج حوارية، منها البرنامج الحواري “الطريق إلى دمشق”، قناة اورينت 2012ـ كما شارك في إعداد عدة أفلام وثائقية منها “أبو القعقاع السوري”، قناة الجزيرة 2015. والفيلم الوثائقي “أسامة بن لادن في سوريا” من إخراج المخرج السوري نبيل المالح. مدته ساعتان وعشر دقائق ، 2001.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج