لا يسع المرء إلا أن يساند المطالب المحقة لذوي المفقودين في الكشف عن مصير أحبائهم، وأن يدعم سعيهم لإيجاد السكينة.. سكينة أرواح المفقودين وأرواح محبيهم في مصير معلوم، حقّهم في دمل جراحهم، وفي بدايات جديدة من الصعب أن تكون إلا بناءً على يقين ما.. مهما كان مؤلماً وقاسياً.
وفي هذا السياق لا بدّ أن نتحدث عن الصوت الأعلى في هذه المطالبات، وهي الأصوات التي تطالب بالكشف عن مصير فرسان الثورة الأربعة رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم الحمادي، قيادات الحراك السلمي وتنسيقيات الثورة الذين اختفوا في ظروف غامضة في مدينة دوما التي كانت تخضع لسيطرة جيش الإسلام المحسوب على الثورة.
هل يجوز لنا أن نضع جانباً -ولو لبرهة قصيرة- عدالة هذه المطالب وأهميتها على الصعيد الشخصي لذوي المختفين؟
ما هي المصائر المحتملة للأبطال الأربعة؟ وأي من تلك المصائر يليق بأحلامهم الثورية؟
كان هناك ثلاثة مصائر محتملة عموماً لثوار سوريا السلميين: أولها مصير القتل على أشكاله المختلفة.. قصفاً، قنصاً، غدراً.. أو تعذيباً، ثانيها مصير الاعتقال في أقبية النظام أو المعارضة المتطرفة، وثالثها مصير الهرب باحتمال النجاة في قوارب الهجرة واللجوء، وهناك في حياة اللجوء ليس ثمة احتمالات كثيرة، فإما العيش على المعونات التي تقدمها الحكومات الغربية، وإما السعي للنجاح الفردي وتحقيق الذات بعيداً عن الهموم الوطنية، وإما الانخراط في سوق التجارة الثورية على اختلاف أشكالها.
هل يجوز لنا كثائرين حالمين ألا نتمنى هذه المصائر لأبطالنا؛ فلا نريد اكتشاف رفاتهم المدفونة في مقبرة جماعية، ولا نريد اكتشاف صورهم كمقتولين تحت التعذيب، ولا كمعتقلين في أقبية النظام يذوقون شتى أنواع الانتقام والتعذيب من سجانيهم الساديين، كما لا نريد أن نراهم إلى جانب تجار الثورة في المدن الغربية، هؤلاء الذين يحلو لهم أن يختزلوا دور الأربعة القيادي في الحراك السلمي والتنسيقيات على مستوى سوريا كلها إلى “موثقي انتهاكات”..!
كان يمكن للمطالبة بالكشف عن مصير الأربعة وآلاف المفقودين غيرهم أن يكون لها معنى آخر في سياق انتصار، لا في سياق الهزيمة، في سياق إحقاق العدالة والمحاسبة، لا في سياق التوثيق والتقارير التي لا تساوي حبرها.
لست أماري في أهمية المطالبة بالكشف عن مصائر جميع المفقودين، وأعلم تماماً مدى فانتازية طرحي هذا وربما ترفه المبتذل، لكن يبدو من زاوية ما أن أرواح الفرسان الأربعة وأشباههم على امتداد الوطن المدمّر ترفض الامتثال لهذا الأمر الواقع، وربما كان مصيرهم المفتوح على المجهول هو اللانهاية الأجمل لحلمهم.. لحلمنا الموؤود في وطن يشبه الأوطان.
كاتب سوري من الجولان المحتل