مجلة طلعنا عالحرية

عن الموقف الفلسطيني.. الضحايا يتعاطفون مع الضحايا والحرية لا تتجزأ

pls

لم يكن الفلسطينيون السوريون بمنأى عن معاناة وعذابات السوريين طوال قرابة نصف قرن من الاستبداد، فهم أيضا كابدوا التضييق على الحريات، وانتهاك الكرامات، والتهميش والافقار المادي والمعنوي، مثلهم مثل السوريين، وفوق ذلك، وكما عانى السوريون من الحرمان من السياسة، والحياة الحزبية، فقد كابد الفلسطينيون تلاعبات النظام بحركتهم الوطنية، وتوظيفاته لقضية فلسطين.
لا حاجة لنا للحديث عن تاريخ النظام في علاقته مع الحركة الوطنية الفلسطينية لاسيما منذ احداث أيلول الى التدخل السوري في لبنان، في السبيعينيات إلى حروب المخيمات في الثمانينيات إلى قصف مخيم اليرموك وتشريد سكانه وفرض الحصار عليه.
ثمة فكرتين ينبغي تذكرهما والتأكيد عليهما هنا، وهي ان الفلسطينيين في سوريا مثلهم مثل السوريين، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها مع استدراكين، أولهما، ان هذه الحقوق منحت من الشعب السوري، أي قبل مجيء نظام البعث، بمعنى ان الفلسطينيين مدينين لشعب سوريا وليس لنظامها. وثانيهما، ان الفلسطينيين كابدوا من النظام القائم مثل ما كابد السوريين.
بعد اندلاع الثورة حاول النظام جر المخيمات الفلسطينية الى جانبه من خلال بعض الفصائل المحسوبة عليه في المعادلة الفلسطينية، لكن ذلك لم ينجح تماما، وفي مرحلة أخرى حاول استخدام المخيمات في هجوماته على المناطق المجاورة (كما حدث مثلا في مخيم اليرموك)، كما لم يقصر في اعتقال النشطاء الفلسطينيين المشاركين في المظاهرات السلمية. والمعنى ان النظام هو المسؤول عن اقحام المخيمات الفلسطينية رغم محاولات الفلسطينيين جعل مخيماتهم بمثابة مناطق ملاذ امن لجيرانهم من السوريين المنكوبين في المناطق المجاورة، لا اكثر من ذلك.
كتحصيل حاصل فإن لجوء النظام إلى الحل الأمني في سوريا، واقحامه الجيش في الصراع، وتعمده تدمير المناطق التي يعتبرها بمثابة بيئات حاضنة للثورة، أدى فيما أدى اليه إلى تحول الثورة السورية الى العنف والعمل المسلح. وفي كل الحالات فإن عنف النظام وردة الفعل عليه، لم تعد تترك مجالا لتحييد المخيمات، فهي من حيث تموضعها الجغرافي، وتركيبتها السكانية، جزءا من سوريا، مع التأكيد بأن النظام هو المسؤول عما جرى، وعن كل التداعيات الجارية في سوريا.
هكذا، فإن النظام الذي انتهج اقصى قدر من العنف والقمع ضد السوريين من شعبه، انتهجه ضد الفلسطينيين أيضا، بحيث بات ثمة اكثر من 2500 شهيد، واضعافهم من الجرحى والمصابين، مع اعداد كبيرة من المعتقلين، والشهداء تحت التعذيب، إضافة الى شهداء الجوع، نتيجة الحصار، في مخيم اليرموك (حوالي 150)، هذا فضلا عن التشرد الذي لحق بالفلسطينيين مثلما لحق بمجتمع السوريين.
مشكلة الفلسطينيين ان ردة فعل قواهم السياسية على ما يحصل في سوريا كانت دون مستوى الحدث، ومنفصمة عن الواقع، ما يمكن تفسيره بأن هذه القوى كانت منذ زمن مرتهنة للنظم العربية، وضمنها النظام السوري، او انها تخشى ردات فعله.
هكذا، كنا في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني إزاء فعاليتين، وحدثين، في نفس اليوم، وحول ذات الموضوع، مع فارق كبير من حيث المعنى والمقاصد، والقيم.
الفعالية الأولى، تمت برعاية النظام كالعادة، وبهدف التضامن معه، في حين جرت الفعالية الثانية في غازي عنتاب في تركيا، حيث يقيم لاجئون فلسطينيون من سوريا مع اخوتهم من اللاجئين السوريين هناك.
في دمشق خاطب مسؤول فلسطيني الحضور قائلا: “سورية رغم ما تتعرض له من حرب إرهابية تستهدف أمنها ووحدتها واستقلالها تواصل اليوم دفاعها عن ثوابت الامة العربية وقضاياها العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية انطلاقا من تمسكها بقيمها ومبادئها الوطنية والقومية..”.. “سورية بشعبها الوفي وجيشها الباسل قادرة على هزيمة قطعان الارهابيين ومجاميع المرتزقة التكفيريين.. وان ارادة الشعب السوري أقوى من امكانيات مموليهم ومشغليهم ..ما تتعرض له سورية اليوم ليس الا حلقة جديدة من حلقات المخطط الامبريالي الصهيوني الهادف الى تفتيت الأمة العربية وتدمير طاقاتها ومقدراتها..”.
بهذه البساطة تم تلخيص ما يحصل في سوريا منذ أربعة سنوات، في لحظة خطابية، في مؤتمر، او مهرجان، من تلك التي اعتادت ان تستضيفها أنظمة “جماهيرية”، قذافية او صدامية او اسدية، وهو ما لم تستطع الفصائل الفلسطينية، ببرغماتيتها، او انتهازيتها، ان تتمنّع عنها، او تفوّتها، بعد أن ارتهنت للنظام العربي القائم، بحيث أضحت جزءاً من خطاباته.
ليس مهما من الذي قال تلك الكلمات، لكن قائله ليس من الفصائل المحسوبة على النظام، وإنما من فصيل يساري، وليست التسمية مهمة هنا لأن الحالة الفصائلية بمجملها باتت في حالة ترهل، وأفول، بمعنى ان هذا الخطاب هو تحصيل حاصل لهذه الحالة، التي تماهت منذ زمن مع النظام العربي، وباتت تتعيش عليه، متجاهلة قضايا ومطالب المجتمعات العربية، بدعوى “القضية المركزية”! ومفهوم من ذلك أنه لم يعد يلحظ فرقاً بين فصيل يساري او يميني، في الساحة الفلسطينية، فهذه التقسيمات لم يعد لها معنى منذ زمن، إذ لم يعد لها تمثلات في الخطاب والممارسة السياسيين، ولا في نمط العلاقات الداخلية او طريقة تحصيل الموارد.
قد يكون ثمة وجاهة في موقف وطني، أو يساري، لا يرى أن ثمة افق للثورة السورية، أو يأخذ على ما يجري في سوريا هيمنة الجماعات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية، بيد ان هذا او ذاك، لا يبرران، ولا بأي شكل، لا لعربي ولا لفلسطيني، لا ليميني ولا ليساري، التخندق مع النظام، رغم كل التجربة التاريخية معه، وتجاهل مشروعية حق السوريين في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
والحال، ليت الفلسطينيين الذين اجتمعوا في دمشق، وألقي هذا الكلام على مسامعهم، ليتهم حاولوا فقط الذهاب الى مخيم اليرموك المحاصر.. ليتهم حملوا، فقط، ربطة خبز.. قنينة ماء.. علبة دواء.. ليتهم سألوا، فقط، عن المعتقلين في سجون النظام.. عن علي الشهابي ود. علاء وسلمى ويزن وصلاح وفياض والكل.. وعن الشهداء الفلسطينيين تحت التعذيب، ممن لم يكن لهم أي صلة حتى بالمعارضة.
على أية حال فإن اجتماع دمشق لا يعكس الرأي العام الفلسطيني، ولا يعبر عنه، ففي المقابل، كان ثمة فعالية أخرى في غازي عنتاب، نظمتها “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا”، التابعة للحكومة السورية المؤقتة، قدمت فيها مداخلات لعدد من المثقفين والكتاب والناشطين الفلسطينيين، مثل سلامة كيلة ود. عدنان جابر والشاعر إياد حياتلة وأكرم عطوة وماجد عزام ومحمد مشارقة وعدنان علي ومازن ربيع وفاطمة عيد وأبو سلمى خليل والمحامي أيمن أبو هاشم (رئيس الهيئة)، اغتنت بمشاركة عدد من المثقفين والسياسيين السوريين، بحضور سوري وفلسطيني من اللاجئين في تركيا. وقد تمحورت أعمال هذه الورشة النقاشية على مناقشة تداعيات الثورة على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والمواقف الفلسطينية من ثورة السوريين، واستهداف النظام للمخيمات، وتحولات أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، ورؤية المعارضة لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين، كما قدمت شهادات عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في سورية.
ولعل ما ينبغي اداركه هنا بالنسبة للفلسطينيين، وفصائلهم، أن فلسطين ليست مجرد قطعة ارض فهي معنى للحرية والكرامة أيضاً، وان الفلسطينيين السوريين لا يمكنهم الخروج من واقعهم، ومن كونهم مثلهم مثل السوريين في نفس المصير، وفي ذات الألم والأمل. وهذا ما حاولوا قوله في اجتماعهم في غازي عنتاب. تحية للقائمين بهذا الجهد والمشاركين به والذين أكدوا على المصير المشترك، وعلى ان قضايا الحرية والعدالة لا تتجزأ.

Exit mobile version