تشكل عمالة الأطفال جزءاً أساسياً من أزمات الحروب، حيث يصعب تأمين احتياجات العائلة، وغالباً ما يفقد عدد كبير من الأطفال أحد أبويه أو كلاهما لأسباب عديدة، خروج الرجال نحو ساحات القتال، تشتت العائلة، فقدان حياة أو فقدان القدرة على الحركة نتيجة الإصابات، كلها عوامل متوفرة في الحرب مما يضطر الأطفال للعمل لسد احتياجات العائلة.
رغم تحذيرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن عمالة الأطفال السوريين وصلت إلى مستويات خطيرة، ورغم دخول الثورة السورية عامها السادس إلا أن برامج الدعم المخصصة للأطفال لم تستطع حتى الآن استيعاب الأطفال السوريين المتضررين من الحرب سواء كان ذلك ضمن سوريا أو في دول الجوار .
حركة النزوح داخل سوريا وخارجها أفرزت حالة احتياج كبير للعائلات نتيجة فقدانهم لكافة ممتلكاتهم وباتوا بحاجة لكل شيء، ونتيجة التغيرات الاقتصادية على السوريين، سواء داخل سوريا بفعل تغييرات اقتصادية في الأسعار وفقدان المواد، أو خارجها بفعل اختلاف الجو العام لطبيعة التعاملات المالية من أجور أماكن الإقامة وفواتير الخدمات وأسعار السلع الأساسية وغيرها، بات من الصعب على فرد أن يعيل أسرة، وحتى في حال وجود رب الأسرة كثير ما يضطر الأطفال للعمل لمساعدة العائلة في تأمين احتياجاتهم، ويعمل الأطفال لقاء مبالغ مادية بسيطة ضمن ظروف صعبة مما يعرضهم للعديد من المخاطر، بدءً من حرمانهم من فرص التعليم وليس انتهاء بالاعتداءات التي تواجههم أثناء تواجدهم في أماكن بعيدة عن رعاية الأهل.
بحسب إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، فإن ما يزيد عن 12.2 مليون سوري بحاجة للمساعدات الإنسانية، ويقدر عدد الأطفال بينهم ب 5.6 مليون طفل، وتعتبر أزمة النزوح السوري هي الأكبر في العالم مع 7.6 مليون نازح وحوالي 4 ملايين لاجئ مسجل في دول الجوار، 4.8 مليون شخص بحاجة للمساعدة الإنسانية في المناطق التي يصعب الوصول إليها ضمن المناطق المحاصرة.
ربع مدارس الأطفال تضررت، إضافة لاستخدام الكثير من المدارس لأغراض مختلفة، ومع حركة النزوح الكبيرة وحالة عدم الاستقرار، يكاد يكون من الصعب التحاق الأطفال في المدارس نتيجة التنقل المتكرر وخصوصاً بالنسبة للنازحين داخلياً في المناطق الساخنة، وقد ورد في الخطة الاستراتيجية للاستجابة الإنسانية لعام 2015 أن 9.8 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وبحسب اليونيسيف فإن (770 ألف طفل استفاد من شكل من أشكال التعليم)، وبحسب تعبيرهم هذا، فإن ما لا يزيد عن 13.75% من الأطفال السوريين المعلن عن حاجتهم للمساعدات الإنسانية هم فقط من حصل على بعض أشكال التعليم، وبهذا تكون نسبة الأطفال غير المستفيدين من أي مساعدة للتعليم هم الغالبية العظمى من الأطفال، وهذه النسبة تعيش في ظروف معقدة، قد تدفعهم غالباً نحو سوق العمل.
في أسوأ الأحوال، ونتيجة لظروف استثنائية، قد يعتبر عمل الأطفال ضمن بعض المهن مرحلة أشبه بالتعليم، حيث يكتسب الأطفال العاملين خبرة في الورشات والمصانع والأسواق، ورغم المخاطر المحدقة بهم إلا أنها تكاد تكون من أقل المخاطر إذ ما قارناها مع استغلال الأطفال لتجنيدهم وتشغيلهم في أعمال خطيرة أو غير شرعية.
في المناطق المحاصرة ينشط العديد من الأطفال في أعمال التهريب ما بين القوات على طرفي النزاع، ويضطر هؤلاء الأطفال إلى العبور مع البضائع ضمن مناطق خاضعة لرقابة قناصين، عدد كبير من الأطفال لقى حتفه أثناء تهريبه لربطة خبز في مناطق مثل مخيم الوافدين على أطراف مدينة دوما، في المناطق الشمالية وعلى الحدود السورية التركية، يشارك العديد من الأطفال في أعمال التهريب، وغالباً ما يتم الاعتماد على الأطفال لتهريب الحبوب والمهدئات وسجائر القنبز والحشيش، وتمتد المخاطر إلى خارج سوريا، حيث أشرنا في مقالة سابقة (تجارة اللاجئين باللاجئين في تركيا) إلى تقرير صادر عن وكالة الشرطة الأوروبية، يتحدث عن اختفاء أكثر من 10 آلاف طفل سوري أثناء انتقالهم إلى أوروبا دون مرافقة ذويهم.
عمالة الأطفال تهدد جيلاً كاملاً نحن في أشد الحاجة إلى تأهيله وتعليمه ليبني الوطن المستقبلي، حالة العجز بات من الصعب تداركها دون توحيد للجهود من الجميع، وفي حين تهتم حكومات العالم بشكل مكثف بما يسمى الحرب على الإرهاب، نجد أن مئات آلاف الأطفال يعيشون حياة مليئة بالإرهاب الاجتماعي والاقتصادي، ولا يجد من التعليم سوى ما يكتسبه من متابعة أخبار الحرب على وسائل التواصل الاجتماعية.
خمسة ملايين طفل سوري نعلق آمالنا عليهم ليكونوا بناة سوريا المستقبل.
مستقل، مهووس في تكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي. مهتم في الشؤون الاقتصادية وريادة الأعمال، محرر القسم الاقتصادي في طلعنا عالحرية