كاوا شيخي
تدور في الآونة الأخيرة تعبيرات مثل “عصر الأكراد” أو زمنهم، والذي يأتي كنتيجة للتعاطف العالمي الذي حصل عليه الأكراد في الآونة الأخيرة بعد تزايد الهجمات الوحشية عليهم وخاصة في مناطق سوريا والعراق وتحديدا في مدن كوباني وشنكال.
هل هذا حقاً عصر الأكراد؟
سنترك الإجابة عن السؤال لاحقاً.
أما حول حقيقة ما حدث في المدن السورية فهو كالتالي:
تحولت الثورة السورية من ثورة سلمية إلى حرب أهلية سرعان ما نما فيها الجانب المتطرف مستفيداً من ضعف وتشرذم الطرف الثوري الحقيقي وتعرضه للملاحقة ومن ثم تركه لساحة النضال واللجوء إلى دول الجوار.
نما الجانب المتطرف مستندا على الرابط الحساس أو الديني ومتوهماً إنه فعلاً يمثل نهج السلف الصالح.
دخلت “الدولة الاسلامية في العراق والشام” إلى سوريا وأصبحت داعش التي اشتهرت ونمت في فترة قصيرة مستفيدة من جموع الشيشان والذين خبروا فنون الحرب والأسلحة الحديثة، كذلك انضمام المطرودين من الجيش العراقي السابق أو ما يسمى بجيش صدام حسين وأصبح لهذه القوة شأناً، وتحديداً بعد سيطرتها على آبار النفط وقدرتها على تمويل السلاح والمرتزقة والذين أعلنوا انضمامهم إليها مما دفع هذا الغول إلى التوسع أكثر فأكثر ليعود إلى العراق.
بعودة التنظيم إلى العراق وهو الذي غادره ضعيفاً فتحت له أبوابا جديدة، فكان تسليم الموصل والمخطط الذي سار كما خطط له.
داعش في الموصل استولى على الأسلحة الثقيلة وحكم مدينة كبيرة، وكان لها فتح باب سجن الموصل الذي كان يضم ثلاثة آلاف من محكومي القاعدة، الذين انضموا إلى التنظيم الذي حررهم ودفع لهم مستفيدا من خدمات تجنيدهم.
نعود الى الأكراد.. في العراق فتح الغول فمه ودخل إلى المناطق التي يسكنها الايزيديه، وطبعا المرتزقة التي قتلت ألف وسبعمائة شاب عراقي من شباب الأكاديمية الحربية، وسبعمئة من شعيطات دير الزور السنه لم توفر اليزيدين الذين هم ليسوا من أهل الكتاب.
بدأت العصابات المسلحة في قرى وبلدات الايزيديه نهبا وقتلا وسلبا، حتى أفرغت المنطقة من أهلها.. إلا من اضطر أن يختار الإسلام على سكين داعش.
داعش بما حملته من أسلحة ثقيلة توجهت أيضا نحو كوباني المحاصرة وبدأت عملية هجوم واسعة على قرى وبلدات كوباني ومن ثم مركز المدينة أيضا.. هنا أتوقف لأذكر بأن الايزيديه وقرى الموصل وكوباني وقراها، كلهم أكراد، ولكن هل حقا كانت هذه الهجمات هي السبب في تسمية العصر بعصر الأكراد؟؟
هنا لا بد من العودة قليلا إلى التاريخ.. التاريخ الغريب والذي بدأ منذ مائة عام في ترسيم خارطة جديدة للمنطقة (الشرق الأوسط وشمال افريقيا) طبعا لم يكن هناك دولة اسمها سوريا برئاسة وعاصمة واقتصاد.
وكذلك لم يكن هناك دولة اسمها العراق، فالمعروف للجميع أن الدولة الإسلامية والتي توسعت على حساب الإمارة والعشائر في هذه المنطقة تحولت فيما بعد إلى الدولة أو الإمبراطورية العثمانية، والتي أخذت فيما بعد شكل الدولة التركية، ثم كانت سايكس بيكو التي حرمت الأكراد من دولتهم القومية. طبعا الأكراد انخرطوا في البداية في النضال ضد الاحتلال الفرنسي والإنكليزي، ومع التخلص من هذه الدول وانشاء الدولة السورية والعراقية وظهور الجانب القومي وطغيانه على الجانب الديني ويقظة الشعوب ومنها الشعب الكردي، هنا بدأت محاولات تأسيس حركات سياسية تحررية ولكنها بالطبع قمعت، وتعرض الأكراد لكافة أنواع الاضطهاد.
طبعا الاضطهاد لم يكن موضوعا جديدا على الشعب الكردي، إنما كان لهم معه تاريخ طويل.. هنا سأذكر بعض الحوادث:
– في انتفاضة الشيخ سعيد بيران قتل ما يقارب /20000/كردي.
– انتفاضة سمكو تم قتله مع الكثير من أفراد عشيرته
– في ديرسم قصفت المدينة، وقتل ما لا يقل عن مليون كردي
– في حلبجه استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد، في غضون ساعات قليلة قتل ما لا يقل عن 5000 كردي
– في حملات الأنفال قتل من البارزانيين حوالي 180 الف كردي.
– في الهجوم على مهاباد الكردية، قتل القاضي محمد والكثير من البارزانيين ماتوا وهم يفرون إلى الاتحاد السوفيتي السابق.
– في الانقلاب العسكري الطوراني في تركيا وما تلتها من هجمات على الأكراد ، قتل حوالي المئة الف شخص. طبعا كل هذه المجازر هي ليست سوى ما يعادل الخمسة في المئة مما حدث للاكراد.
– الآن نعود إلى سؤال ما إذا كان هذا العصر هو عصر الأكراد؟ الجواب هو طبعاً لا. فالأكراد ليس لديهم ما يوعدون به القوى التي ذاع عنها حمايتها للاكراد. إذا كان كل الملايين التي تحدثنا عنها لم تستطع أن تجعل العصر عصر الكرد فإن ما تغير الآن هو الإعلام. إن العصر الحديث هو عصر الإعلام، حيث استطاع الكرد في الهجمات الأخيرة التي تعرضوا لها أن يضعوا الرأي العام العالمي في صورة ما يحدث. طبعا العالم الآن يعيش فوبيا الإرهاب، وكان إظهار الصورة الحقيقية لداعش ومن ثم إظهار الكرد كمقاومين ضد داعش، والسبب الرئيسي هنا هو أن الأكراد هم الطرف القوي الوحيد الذي يحارب داعش. هنا أدرك العالم بأن الكرد يحاربون داعش بدلا عنه. تحركت دول العالم، بعد ان أدركت الشعوب هذه الحقيقة، فكان للإعلام الدور الأهم في كل هذه الحرب، ولهذا استحق هذا العصر أن يكون زمن الإعلام.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج