Site icon مجلة طلعنا عالحرية

عرض لكتاب ” لا إكراه في الدين”

عرض لكتاب: لا إكراه في الدين، إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم
المؤلف: طه جابر العلواني
الناشر: المركز الثقافي العربي، مركز مؤمنون بلا حدود

عرض: د. محمد رشدي الشربجي

يناقش الكاتب طه جابر العلواني قضية حد الردة، فيبدأ كتابه بذكر حادثة جرت في بلده العراق في عام 1963 ليدلل على استغلال السياسيين لحد الردة وإشهاره سيفاً على رقاب خصومهم؛ حيث وصل بعث العراق إلى السلطة في ذلك العام وكان أن اعتقل أعضاء الحزب الشيوعي وعددهم يربو على الخمسة آلاف. وقرر البعث إعدامهم جميعاً بتهمة بالردة. وطلب في سبيل ذلك من ضابط إسلامي الإقدام على إعدامهم، وأفتت المراجع الشيعية والسنية على السواء بقتلهم باعتبارهم مرتدين. في حين أشار طه جابر علواني على الضابط أن القضية سياسية وليست دينية. فاعتذر الضابط عن القيام بهذه المهمة.

يتضح من بداية الكتاب إدراك الكاتب لخصوصية هذه القضية وخطورتها على الساحة الإسلامية، وهو ما دفعه إلى تأجيل نشرها لسنوات: “لقد أعددت مسودة هذا البحث 1992، وألحّ علي بعض الإخوة بضرورة نشرها، واعترض بعض الإخوة على النشر خوفاً على المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي كنت رئيسه آنذاك أن يتضرر بموقفي من هذا الموضوع، ثم استقلت من رئاسة المعهد عام 1996 فقيل: أمسك خوفاً على الجامعة التي يترأسها، ومرت ست سنوات وبدأ السن يتقدم والأمراض تتكاثر، ولا أريد أن ألقى الله وقد كتمت علماً منّ الله به عليّ” (ص16).

يسرد الكاتب أحداثاً متفرقة جرت في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي أثيرت بها قضية الردة لأسباب سياسية وليست دينية، مثل قضية عبد الرحمن عبد المنان في أفغانستان، أو قضية محمود محمد طه في السودان عام 1985، وقضية سلمان رشدي. وقضية اغتيال فرج فودة في مصر، ودعوى ردة نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي والدكتورة نوال السعداوي.

ثم يناقش مفهوم الحدود في القرآن وأماكن وروده، فيصل إلى نتيجة مفادها أن الحدود في القرآن جاءت في كل مواضعها تقريباً في سياق تنظيم الأسرة؛ “وتمّت عملية استلاب مكشوف للمفهوم كله ليكون محصوراً عندهم في العقوبات المقدرة وذلك!” (ص55).

يعتقد الكاتب بنظرية مفادها أن هناك تداخلاً ثقافياً خطيراً في صدر الإسلام بين التراث الإسلامي والتراث اليهودي، الأمر الذي أدى لانتقال كثير من الإسرائيليات اليهودية إلى الإسلام، ومنها الغلو والنزوع نحو التشدد فيقول: “لقد حدد الله تعالى أهم خصائص رسالة خاتم النبيين، رسالة الإسلام، ألا وهي العالمية مقابل القومية العنصرية التي كانت في بني إسرائيل، كما حدد أهم خصائص شريعته بالتخفيف والرحمة بدلاً من الإصر والأغلال والنكال التي كانت في شريعة بني إسرائيل” (ص81).

يفترض الكاتب وجود مؤامرة يهودية مدبرة لتحريف الدين الإسلامي كما حرفوا في دينهم، كما ساهم القصاصين والوعاظ في الترويج للتراث الإسرائيلي.

ومع أن الكاتب يدعو إلى “أن لا نحمل الحديث المذكور أكثر مما يحتمل، وقد نعزز بهذا فكرة المؤامرة…” (ص97) لكنه تحدث في الصفحات اللاحقة عن مؤامرة خطيرة كبيرة عن دور اليهود المقصود في إدخال هذه الأحكام إلى الدين الإسلامي.

يبدأ الكاتب بعدها في الحديث عن آيات الردة في القرآن الكريم، وبعد أن يسرد الآيات كلَّها ويناقشها فإنه يخلص إلى نتيجة أن “كل ما ورد في القرآن المجيد في الردة والارتداد، لم تذكر عقوبة دنيوية، على ذنب أو جريمة الردة، ولم تشر لا تصريحاً، ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، أو قتله إذا امتنع” (ص115).

ثم يعود ويقرر أن “حرية الإنسان قيمة من أبرز القيم العليا، ومقصد من أهم مقاصد الشريعة، ولعلّ من أهم الأدوار التي يقوم بها الإيمان والتوحيد خاصة، تحرير الإنسان من عبادة العباد بحيث لا يخاف إلا الله… فقد نزل القرآن العظيم بذلك العدد الكبير من الآيات، ليؤكد حرية الإنسان خاصة في اختيار ما يعتقده، وعدم جواز إكراهه على تبني أي معتقد، أو تغيير معتقد اعتقده إلى سواه” (ص116-117).

ويذكر الكاتب سبب نزول الآية التي اختارها عنواناً لكتابه (لا إكراه في الدين)، فينقل عن ابن عباس أنه كان للأنصار في المدينة المنورة بعض الأبناء اليهود أو النصارى، فأرادوا أن يكرهوهم على اعتناق الإسلام فنزلت الآية لتمنعهم. فيقول: “وهذه قضية ألصق بالسياسة منها بالدين، لأن الإيمان وهو أصل الدين وجوهره، عبادة عن إذعان النفس، ويستحيل أن يكون الإذعان بالإكراه وإنما يكون بالبيان”(ص121).

وبعد أن انتهى الكاتب من تفصيل هذه القضية في القرآن، يبدأ في بيانها في السنة النبوية، ولكنه يقول قبل أن يناقش الأحاديث: “القرآن الكريم مصدر منشئ للأحكام، والسنة النبوية الثابتة الصحيحة مصدر مبيِّن لما ورد على سبيل الإلزام،… لا يمكن أن يأتي في أي منهما ما يناقش الآخر أو ينافيه، أو يكون على خلاف أو تعارض مع ما جاء فيه” (ص127).

ثم يقرر الكاتب حقيقة في التاريخ النبوي مفادها أن: “عهد الرسول عليه السلام شهد مئات من أولئك الذين آمنوا ثم نافقوا وارتدوا، بل جاوزت ردتهم حدّ الأذى والائتمار برسول الله وبالمسلمين والكيد لهم… وقد ترفّع تماماً عن المساس بهم” (ص128). وسرد وقائع كثيرة من العهد النبوي تدلل على ذلك، و نقل عن ابن الطلاع في أحكامه: “لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه عليه الصلاة والسلام قتل مرتداً ولا زنديقاً” (ص152).

يتناول الكاتب بعدها الأحاديث النبوية المتعلقة بالردة التي اعتمد عليها الفقهاء في أحكامهم بالنقد والتحليل، موضحاً أن هناك مشكلات خطيرة في سند تلك الأحاديث ومتنها، مثل حديث: “من بدل دينه فاقتلوه”، موضحاً أن هناك خللاً منهجياً أصاب الفقهاء و”هو مرض تقديم الحديث عملياً وواقعياً على صريح القرآن المجيد” (ص163).

وبعدها ينتقل الكاتب ليسرد آراء المذاهب الإسلامية المختلفة تجاه هذه القضية، فيشير إلى أن المذاهب الأربعة، ومذهب الإمامية الشيعي والمذهب الظاهري والإباضي جميعها متفقة على وجوب قتل المرتد الذكر، ومختلفة في قتل المرتدة! ويعتقد الكاتب أن “جلّ المذاهب خلطت بين الردة بمفهومها السياسي والردة بمعنى التغير في الاعتقاد” (ص192) ما جعل الفقهاء يساوون بين من ارتد بلا عداء للدولة، وبين من ارتد وحارب الدولة.

يسرد الكاتب بعد ذلك أسماء مجموعة من الفقهاء والعلماء الذين “تعرضوا للاضطهاد والنفي والاتهام بالردة والزندقة، والانحراف عن الدين، والأسباب الحقيقية وراء ذلك انحرافهم عن سلطان ما، أو تبنيهم أقوالاً ومذاهب تخالف ما تتبناه الحاشية وعلماء السوء” (ص226).

وينهي علواني كتابه بما بدأه من تأكيد حرية الإنسان في اختياره لمعتقده وتغييره، كما يجب المحافظة على هذه الحرية “واعتبارها من ضرورات التزكية… أسمى من أن تضع عقوبة دنيوية تبلغ مستوى القتل على ممارسة تلك الحرية” (ص228).

Exit mobile version