عليا زيون (دمشق)
اعتاد السوريون التحضير لاستقبال العام الدراسيّ، وقد تحوّل هذا التحضير إلى همٍّ جديدٍ يضاف إلى قائمة الهموم السورية الكبيرة؛ ففضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع التعليمي؛ حيث لم تعد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام لأنها تعرّضت للدمار أو للضرر، أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية، وذلك حسب بيانٍ صادر عن اليونيسف لعام 2021، إضافة لذلك فإنّ انهيار الاقتصاد السوري والانخفاض الكبير في القدرة الشرائية لليرة السورية، وتدنّي مستوى المعيشة داخل سوريا بشكلٍ عام -وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بشكلٍ خاص- إلى مراحل لم يسبق الوصول لها في التاريخ الحديث، جعلت الأعباء المادّية لبداية العام الدراسي التي كان يضيق السوريّون عن تحمّلها حتى قبل2011 بعشرات السنين، جعلتها الآن أعباءً مضاعفة إلى الحدّ الذي يعجز معه قسمٌ كبير من السوريّين عن تحمّلها، مّما يزيد من أعداد الأطفال المحرومين من متابعة تحصيلهم العلمي.
تقول هدى العائدة مع طفلها الوحيد من جحيم النزوح إلى تحت سقفٍ بيتوني هو ما كل ما تبقّى من منزلها في الغوطة: “إذا لم أستطع جمع ثمن الكتب لابني فبالتأكيد لن أستطيع جمع ثمن حقيبةٍ جديدة، سيحمل كتبه في كيسٍ بلاستيكي”.
وليس الوضع بأفضل منه في المناطق الأخرى، ففي إحدى قرى القدموس في ريف محافظة طرطوس يقول وسيم وهو ربّ أسرة صغيرة: “هذا العام سيذهب فقط الصغير إلى المدرسة الابتدائية هنا في القرية، أما الكبير فلا أستطيع تحمّل تكاليف المواصلات اللازمة ليصل إلى المدرسة الثانوية في المدينة”.
وبحسب تقرير اليونيسيف السابق فإنّ أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة في سوريا. أمّا الأطفال القادرون على الالتحاق بالمدارس، فإنهم يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظّة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومن مرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة والتهوية.
“إذا أردتم الدفء في الصفّ، ليحضر كل يوم واحدٌ منكم (قنينة) مازوت”! هذا ما قاله مدير إحدى المدارس للطلّاب في منطقة الدويلعة بدمشق!
وأثارت وزارة التربية والتعليم سخرية السوريين المؤيدين منهم قبل المعارضين، بتعميمها لمنشور قبل أيام من بدء العام الدراسي على صفحتها الرسمية على فيسبوك، والذي تحدّد فيه شروطاً تتعلّق بغرفة المقصف وعامل المقصف ومحتويات المقصف. حيث حدّدت الوزارة مجموعة من المواد الغذائية المسموح ببيعها للتلاميذ ضمن المقصف، والتي جاءت على الشكل التالي:
1 – عبوات من الحليب المعقّم أو العصير الطبيعي المعبّأة آلياً، ومأمونة المصدر وخالية من أي إضافات كالملونات أو المنكهات.
2 – مواد غذائية مغلفة بشكل آلي وصحي، ومحفوظة بشكل جيد، وضمن فترة الصلاحية المحددة.
3 – كرواسان مغلف آلياً.
4 – عبوات صغيرة من المكسرات الطبيعية (فستق – قضامة – لوز..) معبّأ آلياً وخالية من أي إضافات.
5 – عبوات صغيرة من الفواكه المجفّفة (زبيب – تمر – تين) وخالية من أيّ إضافات.
إضافة إلى منع بيع عدد من المواد منها المشروبات الغازية والعصائر الملونة والعلكة بأنواعها!
ونظراً لاستحالة تأمين المواد التي سمحت بها الوزارة من قبل أغلبية المواطنين؛ وذلك بسبب ارتفاع الأسعار وتدني الدخل، جاءت تعليقات السوريّين بين استهجانٍ واستنكارٍ وسخرية، وكأنّ السخرية أصبحت ملاذ هذا الشعب المقهور.
كما ارتفعت أسعار الكتاب المدرسي للصفوف الثانوية؛ حيث بلغ سعر نسخة الكتب المدرسيّة للصف العاشر 48300 ل.س وللصف الحادي عشر 54800 ل.س وأمّا للبكلوريا 49800 ل.س، أي أن راتب موظّف كاملاً لا يكفي لشراء نسخة الكتب المدرسية في حال لديه أكثر من طفل واحد في المدرسة.
وأمّا عن أسعار القرطاسية فتبدأ أسعار الدفاتر (100 طبق) من 2000 ل.س، وسعر القلم (رصاص أو أزرق) يبدأ من 500 ل.س، في حين تبدأ أسعار الحقائب المدرسيّة بـ 20000 ل.س، وسعر المريول (الصدرية) المدرسي 20000 ل.س، ومتوسط سعر اللّباس المدرسي للمرحلتين الإعدادية والثانوية 50000 ل.س.
وفي محاولةٍ للتخفيف من حنق الشارع المؤيد وسخطه بسبب التكاليف المرتفعة للتجهيزات المدرسية مع تدني أجور العاملين في الدولة، فقد أصدر بشار الأسد مرسوماً بصرف منحة بقيمة 100000 ل.س لجميع العاملين في الدولة والمتقاعدين.
قد يكون تدهور المدارس والتعليم في سوريا نتيجة طبيعيّة للحرب ولاستمرار حكم آل الأسد لأكثر من اثنين وخمسين عاما، تحولت فيها البلد إلى مزرعة لا تُراعى فيها أبسط حقوق الإنسان. بينما تتم أدلجت عقول الأطفال منذ الصغر في منظمة الطلائع والشبيبة لتصنع عبيداً لا جيلاً يبني الوطن..
ولكن ورغم سوداويّة واقعنا، فلا نستطيع إلّا أن نربّي الأمل ونعقد خيراً على جيلٍ لا يزال يستيقظ صباحاً ليذهب إلى المدرسة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج