العمل في ساحة الممكن
=============
لا جديد في القول إن الوقائع وسياسات الدول الكبرى تثبت يوماً بعد يوم ازدواجيتها وكيلها بمكيالين بما يتوافق مع مخططاتها ومصالحها، كما لا جديد في القول إن تلك الدول لا تقيم اعتباراً لحياة الشعوب ومصائرها.. ولا لحقوق المظلومين أينما كانوا.. وفي هذا السياق يأتي صمت العالم على مرتكبي المذبحة السورية المستمرة منذ أعوام أربعة.
وعلى الأرجح لا يختلف اثنان اليوم على أن هناك قرار دولي متوافق عليه بحماية النظام السوري وإطلاق يده في القتل والتدمير، ويبدو أن هذا القرار يأتي ممن يسمون «أصدقاء الشعب السوري» قبل أعدائه! وتلك حقيقة ظلت لوقت طويل مدار أخذ ورد بين السوريين والذين ظلّ قسم لا يستهان به منهم غير مصدق لها لأمد قريب.
الآن وبعد دخول قوات التحالف الدولي في حرب، يبدو أنها شكلية، ضد «الإسلام المتطرف» دون النظام، تبدو هذه الحقيقة أكثر إقناعاً للجميع، لكن السؤال الذي يثار الآن هو حول جدوى هذه الحرب، وهل يمكن أن تكون مفيدة للسوريين بأي شكل من الأشكال؟
شعبنا الذي يلاقي أشكالاً شتى من القتل والقمع والإرهاب.. هل من الممكن أن يستفيد من الانتقائية الأمريكية في الحرب؟
لا يبدو أن هناك جواب مفيد الآن على هذا السؤال، ويبدو مرشحاً أن تبقى سوريا أرضاً خصبة لقتال طويل الأمد بين مصالح شتى لا يجمعها إلا اللامبالاة تجاه سفك دمائنا وتدمير مدننا ومقدراتنا..
لكن هل بالإمكان محاولة العمل وسط هذا الواقع الصعب على الحد من الإجرام فقط؟! هل بالإمكان مسايرة الازدواجية الأمريكية بالعمل الانتقائي على محاسبة المجرمين والحد من الإرهاب والقتل والاعتقال والخطف التعسفي الذي تمارسه شتى الفصائل المقاتلة من داعش إلى غيرها من الكتائب والعصابات المسلحة… ولا نقول النظام الذي تبدو محاسبته من المحرمات اليوم..!
وبعبارة أوضح.. هل تستطيع المراكز الحقوقية السورية ومراكز التوثيق المختلفة وغيرها من الجهات المعنية بجرائم الحرب وحقوق الإنسان.. هل تستطيع الحد من إجرام داعش ومثيلاتها عبر محاكمات دولية بعد أن عجزت طوال الفترة الماضية عن محاكمة ممثلي النظام ورموزه؟؟
لا نعرف ما هي الإجابات الممكنة على هذا السؤال.. والذي يبدو بدوره انتقائيا ولا منطقياً.. فإذا كان لا بد من الموت فقد يقول قائل.. لنكن عادلين مع القتلة أيضاً.. ولنسمح لهم بقتلنا على قدم المساواة.. !
لكن من جانب آخر يبدو أنه لا مفر من الدخول في الجزئيات والانتقائية.. لأن حلاً سحرياً شاملاً يبدو بعيد المنال.. ولا بد من العمل في ساحة الممكن.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.