بقلم: فادي محمد
قضيتان معرفيتان، مسألتان من الواجب ومن باب عدم السكوت على ثغرات أخطأنا منذ بداية الثورة في التغاضي عنها، ثغرات يدخل منها النظام مدعوما بقوى عالمية، ثغرات تسمح له وسمحت له بتفريغ المحتوى الانساني لنضال السوريين خلال الأربعة أعوام المنصرمة.
القضية الأولى:
لا يكفي من فصائل وتكتلات أو حتى أفراد، تقول أنها اسلامية الفكر، متدينة روحا، ادانتها لتنظيم الدولة بأنه ذراع للنظام. اعلان عمالته للأجهزة الأمنية والسكوت عن الصفة الدينية الاسلامية التي ينسبها داعش لنفسه. مع العلم أن الادانة الأهم والأولى، الادانة الأكثر جذرية، ولو من باب التمايز عنه بالحد الأدنى، هي بالضبط نزع الصفة الدينية عن سلوك هذا التنظيم وكل سلوك مشابه لا يمثل فقط انتهاكا لحقوق الناس بل هو الجريمة بعينها. وعدم القبول بأن هذا السلوك – الجريمة هو تحت عنوان من أكثر العناوين تضليلا (التطرف الديني).
ليست تلك الجرائم دينا، ولا حتى هي تطرفا بالدين. على كل الاسلاميين، نصرة للدين وللإسلام ولأنفسهم ولسوريا وللثورة، رفع هذه الراية (ما يحدث ليس دينا حتى من باب التطرف). بدون هذه الراية، هذا الاعلان، لن نتقدم خطوة بمعرفة أنفسنا، وبالتالي تغييرها عملا بالقانون الالهي العظيم (إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
هذا الاعلان / الراية الذي هو مقدمة عمل طويل (واجب وراهن) لتفكيك خطاب القاعدة وحزب الله وكل من يرتكب الجريمة باسم الدين.
القضية الثانية:
وهي من وصايا مفكرين كبار، ضرورة فحص الكلمات، كلماتنا، كلمات الآخرين، وأخطرها ليست الكلمات العادية، بل تلك التي تحمل دلالات ضمن الحيز العام. وتتمة لما سبق فلنخضع جميعا كلمة التطرف للفحص، للفهم ولسياقها الدلالي.
بداية ليس التطرف في منظومة ايديولوجية ما هو الخروج عن هذه المنظومة. المتطرف هو جزء من المنظومة، يأخذها يمينا باتجاه المحافظة أو يسارا باتجاه الراديكالية. وبالحالتين هو غير منفصل عنها، هو لون من ألوانها، هو اللون الذي يشدد على ايديولوجيتها نازعا محتواها الفكري، يشدد على النصوص مشيدا قدسيتها.. متناسيا ومتجاهلا حركة الواقع وتغيره. أو لنقل بمعنى آخر: التطرف هو الحفاظ على الثابت واستبداده بالمتغير.
تاريخيا التطرف له أشكال عديدة، لائحته طويلة (تطرف دولة القانون بفكرة القانون والتغاضي عن روح القانون، التطرف الليبرالي بحرية الفرد حتى بات الأخير يخاف منها. التطرف الماركسي ببناء فردوس اشتراكي متجاهلا درجة تطور الروح الانساني. التطرف الاسلامي بإقامة الحد متجاهلا الشرط الموضوعي الذي يعيش فيه البشر.. الخ).
ليس التطرف بكل ما سبق الا (هوى) عند أصحابه، ظاهره انقاذ البشرية وجوهره الاستبداد.
استكمالا لما سبق، ان الحديث عن جريمة قتل «آلن هينينغ» الذي بات شهيدا سوريا كما هو شهيد الانسانية، اعدامه بيوم ذكرى نهاية القرابين البشرية (أول أيام عيد الأضحى المبارك)، الحديث عنها على أنها تطرفا دينيا ليس الا تبريرا لها وتسامحا مع القاتل وتواطؤاً لا شعورياً مرتكزاً على وحدة الانتماء الايديولوجي.
مطلوب من كل من ينطق الشهادتين فهم هذا المرتكز كي يتمايز عنه فكريا وعقائديا ويعلن تكفيره .