قصي الأحمد
تجهزت كالعادة ورتبت أغراضي، وتأكدت من بطارية الكاميرا، ومن وجود مساحة فارغة على كرت الذاكرة الذي لطالما امتلأ بالمتناقضات التي كنا نعيشها؛ بقصص المعاناة والنجاح، اليأس والطموح، الآلام والآمال.. وغيرها من القصص التي لطالما عملت على نقلها ومشاركة العالم بها.
جلست قليلاً مع زوجتي ولاعبت طفلتي حتى ارتفع صوت ضحكها، وأعطيت الحقيبة لأخي، وخرج وخرجت وراءه.
كانت الوجهة إلى مخيمات النازحين لنقل أوضاعهم واحتياجاتهم مع اقتراب عيد الأضحى، ولكن ما إن اقتربنا من السيارة قليلاً حتى تغيرت الوجهة تماماً.. كتلة كبيرة من اللهب وصوت انفجار ضخم غير كل شيء!
لوهلة لم أستوعب ما حدث، افتقدت أخي الذي كان أقرب مني إلى السيارة، فوجدته مرمياً على الحائط القريب يضع يده على رأسه، شاخص البصر ممتقع اللون، وكأنه قد شاهد ملك الموت يخرج من السيارة خالي الوفاض، وكان من المفترض أن يقبض أرواحنا لو خرجنا قبل خمس أو عشر ثوان على الأكثر!
أصبح الصراخ والعويل يحيط بي من كل جانب، ودلاء وأباريق الماء تنهمر على السيارة من كل حدب وصوب لإطفائها، والنار لا تزداد إلا لهيباً.
كان من المفترض بي أن أهرع معهم لإطفاء السيارة، لكني لم أفعل ذلك.. ربما بسبب ذهولي مما حدث، أو لأن ناراً أخرى اشتعلت هناك في صدري بسبب خوفي على أسرتي داخل المنزل. هرعت للاطمئنان عليهم، فإذا صوت ضحك ابنتي قبل دقيقة قد تحول إلى بكاء وصراخ سمعته من خلف الباب، وعلى الرغم من أنه كان بكاء إلا أنه كان كفيلاً لأن أطمئن وأتمالك نفسي.
سأكتفي بسرد هذه الأحداث من تلك الدقيقة التي كانت بحجم سنة، لأتكلم عن ما بعدها..
فوضى لدى الجهات المسؤولة الداخلية:
على الرغم من أنها المرة الثانية التي يتم استهدافي بها، وعلى الرغم من استهداف العديد من الصحفيين في مختلف مناطق الشمال السوري سابقاً، وكان بعضها قاتلاً، يلاحظ المتابع تخبطاً من قبل المعنيين بالتعاطي والتعامل الفعال مع تلك الحوادث؛ فوجود حوادث سابقة وتهديدات يتلقاها الصحفي أحياناً من جهات مجهولة، يستدعي القيام بإجراءات إضافية من قبل المعنيين عند معرفتهم بها، لكن أياً من ذلك لم يحدث، ربما ذلك عائد إلى الفوضى والبيروقراطية القاتلة داخل تلك المؤسسات، أو إلى نقص الخبرة في التعامل مع مثل هذه القضايا، أو غيرها من الأسباب التي يجب علاجها والتعامل معها بجدية ومسؤولية وجرأة بغية تحسينها.
ولعل بقاء قنوات التواصل مفتوحة بين الصحفيين والمسؤولين، والتعاطي الفعال مع التهديدات التي يشعرون بها، من شأنه أن يقلل كثيراً من المخاطر المحتملة.
منظمات دولية عاجزة:
تقف المنظمات الدولية -وخاصة المتصدرة للدفاع عن الصحفيين السوريين- عاجزة أمام ضغط التحديات والتهديدات التي يعاني منها الصحفيون في الداخل السوري، والتي تستدعي تدخلاً عاجلاً لتحقيق أدنى درجات السلامة للصحفي المعرض للخطر على أقل تقدير.
فغالباً ما يقتصر عمل الكثير منها على إصدار البيانات والإدانات، مبررة عدم قدرتها على المساعدة بوجود الصحفي في داخل سوريا، أو بسبب ضعف إمكاناتها أو إمكانات المنظمات الشريكة معها، على الرغم من مساعدتها لصحفيين محددين في بعض الأحيان، لكن دون وجود آلية واضحة لمساعدتهم -على الرغم من قلتهم- دون البعض الآخر.
وعلى الرغم من امتلاكها لكامل المعلومات عن الصحفي ووضعه والمخاطر المحتملة، إلا أنها في نهاية المطاف إما أن تعتذر عن مساعدته للأسباب التي ذكرناها، أو تماطله إلى أجل غير مسمى.
وما يجب على تلك المنظمات هو العمل الجاد لإيجاد آلية لمساعدة الصحفيين في داخل سوريا والذين هم عرضة للمخاطر أكثر من غيرهم -هذا إذا سلمنا بمساعدتهم للصحفيين خارج سوريا- بالإضافة لوجود آلية واضحة ومفهومة “وشفافة” لتقديم المساعدة والمستحقين لها.
احموا الصحفيين!
وقفت قبل أيام بالقرب من سيارتي المدمرة، ووضعت عليها ورقة مكتوب فيها “اليوم تم استهدافي وغداً قد يتم استهداف زميل آخر #احموا_الصحفيين في رسالة إلى الجهات المعنية بالداخل، والمنظمات المعنية بحماية الصحفيين ومساعدتهم بالخارج، بضرورة العمل الجاد للوقوف بجانب الصحفيين وحمايتهم وخلق بيئة آمنة لعملهم قدر المستطاع.. فهل يلقى ندائي آذاناً صاغية؟!
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج