تحقيقات

صحافة الثورة.. واستعلاء المثقفين !

10568910_878542845491085_4315721877298059138_n

حتى الآن، ورغم استمرار صحافة الثورة الوليدة على اختلاف توجهاتها بالصدور ومحاولاتها الشجاعة في العمل ضمن ظروف أمنية واجتماعية فائقة الصعوبة، إلا أن مساهمات الكتاب والصحفيين “المرموقين” من أبناء سوريا لا زالت ضئيلة نسبياً فيها إلى حد شبه الغياب. وفي حين يسارع الكاتب الكبير لطرش جدران الفيسبوك وغرفه المختلفة بمقالته المنشورة في الحياة اللندنية أو النهار اللبنانية أو القدس العربية أو غيرها، فإنه لا يكاد يهتم بل ويتعمّد التجاهل لمقالته المنشورة على استحياء في الصحيفة السورية..

وفي الوقت الذي يفترض أن يفخر أي كاتب حقيقي بالنشر في هذه الصحف التي تمثل في نظر الكثيرين تحدياً ونبضاً جديداً في الثقافة السورية، فإن الكاتب السوري يفضل الاستجداء على أبواب الصحافة العربية “العريقة”، حتى تلك المتحيّزة ضد الثورة أو تلك التي لا تخفي كرها عنصرياً أو احتقاراً طبقياً للسوريين، ويكاد لا “يلوث” يديه بالمساهمة في بناء الصحافة السورية الجديدة أو مدها بجرعة حياة.

في رد على سؤالنا يقول جواد أبو المنى رئيس تحرير صحيفة سوريتنا أن النخبة المثقفة في سوريا “لم تكن فاعلة في أي من وسائل الإعلام البديل في سوريا، بل بقيت في مواقعها واكتفت بتوجيه الملاحظات على عمل الإعلام البديل واتهامه بالبدائية وانعدام الموضوعية وأحياناً كثيرة بالسخرية منه، دون تقديم أي دعم أو مشاركة في تطويره وإنجاحه”.

وفي التفصيل يضيف أن “جزءً من هذه النخب بقي على مكانته السابقة ككاتب درجة أولى أو مثقف مهم، واقتصر نشر إنتاجهم في الصحف العربية الكبرى أو في المواقع التي أسس معظمها بعد الثورة (بما فيها مواقعهم الخاصة)، ومنها من استغل موارده المالية لاستقطابهم، فكان الإعلام السوري البديل المرتبة الأدنى لهذه النخب.

والجزء الآخر، هو الأكبر حقيقة، الذين اكتفوا بمنابرهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي في ترديد وتكرار “بوستات” يتم تبادل الإعجاب المتبادل فيما بينهم عليها معتبرين أن أي سجال ثقافي تحت هذا “البوست” هو توصيف لمواقعهم كمثقفين وأية آراء أو وجهات نظر لا تعجبهم هي حكماً تنتمي للشعبوي غير القابل للتطور”.

محمد السلوم رئيس تحرير مجلة الغربال يقول أن النخبة المثقفة “شاركت في مجلات ثورية، أحياناً طمعاً بالتعويض المالي، وعندما يتوقف هذا التعويض يتوقفون عن الكتابة وهذا ما حصل معنا في الغربال”.

ناطور ناطور رئيس تحرير صحيفة عنب بلدي لا يخفي امتعاضه الشديد من سلوك هذه النخب ويحمل مسؤولية التراجع في سوية الإعلام المحلي للصحفيين المحترفين والمثقفين: “النخبة بالحقيقة لم تقصّر فقط، بل وتعالت على واستخفت بالصحافة الجديدة، انا شخصيًا لدي موقف من بعض المثقفين والصحفيين المحترفين بسبب اعراضهم عن الكتابة لصحف الثورة عموما، وهذا الإعراض له اسباب عديدة: أولها “التعالي”، وقد عبّر عنه احد ابرز مثقفي المعارضة وصاحب منصب رفيع في الائتلاف المعارض بعبارة “بعض جرايد الثورة ما بمسح فيها صباطي”.. ! وقد كان هذا جواباً على سؤال وجهته له عن سبب عدم اكتراثهم بالإعلام المحلي، وتوجههم للإعلام العربي والدولي”.

أما السبب الآخر لابتعاد هؤلاء عن صحافة الثورة والذي يقر به معظم الصحفيين المحترفين كما يؤكد ناطور فهو المقابل المالي للكتابة (الاستكتاب): “هؤلاء في الحقيقة لم يعتادوا العمل الطوعي، وعدد كبير منهم انتقل من مؤسسات النظام الإعلامية إلى وظائف الثورة!، حتى أن بعضهم كان قد اخذ اجازة بدون راتب من مؤسسة صحفية للنظام، وجاء إلى تركيا، وعندما وجد عملاً براتب مع مؤسسة ثورية اعلن انشقاقه عن مؤسسته في سوريا”.

رئيس تحرير الغربال محمد السلوم أيضاً لا يخفي غضبه ويؤيد هذا الاتهام:

“المشكلة مع النخبة المثقفة أنها قصرت في واجبها تجاه الوطن وبقيت تعامل نفسها على أنها نخبة لا تنزل إلى مستوى (الرعاع)، ناهيك عن أن معظم نخبنا الثقافية إذا وضعناها على ميزان النقد سنكتشف أنها مجموعة من الطبول الفارغة التي نفخها النظام وعناصر الأمن واتحاد الكتاب سابقاً!”

لكنه يستدرك بنقده لصحف الثورة ذاتها: “بالتأكيد هناك جانب آخر، قلة انتشار الصحف الثورية، محدودة رؤية القائمين على هذه الصحف وانعدام المشاريع لديهم، والعامل المادي والتعويضات التي تدفعها الصحف العربية والأجنبية في حين أن معظم الصحف الثورية بالكاد تتدبر نفسها”.

– لكن، وبعيداً عن الانتهازية الصريحة للبعض، ألا يحق لهؤلاء الكتاب والصحفيين البحث عن معاشهم..؟

يجيب ناطور: “طبعا انا مع حق الصحفيين والكتّاب بالعمل لأجل تأمين المعاش، هذا حق لأي شخص مثقف أو غيره، لكن عندما نتحدث عن مسؤولية اخلاقية تجاه إعلام ثوري تطوعي يجب أن نذكر تقصيرهم، ولو ان هؤلاء الصحفيين كانوا قائمين على هذه الصحف منذ انطلاقتها لكان توقف معظمها.. فهم يتقاضون الاجور ومعتادين على الاستكتاب، وهذا حقهم، أما نحن فقد بدأنا كناشطين مدفوعين بحب العمل نفسه”.

وفي سياق المسؤولية الأخلاقية والوطنية يقول جواد أبو المنى: “إن جلَّ ما قدمته هذه النخب للقضية السورية ككل ليس أكثر من استعراض للمعرفة السياسية بدون فهم لأي تفصيل فعلي وواقعي ويعتمد على تواصل مباشر مع الآخر، فما بالك بطريقة تعامل هذه النخب مع وسائل إعلام تحاول بناء الثقة والتواصل مع القارئ والمواطن السوري من جديد، هي بذلك تقدم بديلاً عنهم، بالتالي لن يكونوا إلا عدائيين تجاهها”.

– لكن، ومن أجل الإنصاف، ألا يحق للكتاب والمثقفين البحث عن انتشار أوسع، أليس سعي البعض نحو الصحف الكبرى ينبع من التزامهم الأخلاقي تجاه القضية السورية؟

“نعم هذا حق” يقول ناطور، لكن هناك جانب آخر لهذا الالتزام الأخلاقي: “إذ كيف سنعزز الصحف المحلية لتصبح على المستوى المطلوب من التأثير!… الجواب هو بأقلام المثقفين والأسماء الهامة في عالم السياسة والإعلام والمحصلة سوف تأتي بالتراكم. إن غياب هؤلاء قد أثر بشكل مباشر على نوعية الخطاب ودرجة تأثيره بالرأي العام.. فنحن بعد ثلاث سنوات من العمل لا زلنا نخضع للتدريب، وتستطيعين القول أننا قد جربنا وتعلمنا بالجمهور حتى بدأنا نمسك بأدوات العمل الصحفي، وحرام أن يضيع كل هذا الوقت بسبب غياب المحترفين وأولاد الكار”.

– لكن ماذا لو امتلكت صحافة الثورة القدرة المالية المناسبة للاستكتاب، ترى هل ستزول عقبات نفسية وذاتية مثل “الاستعلاء”، أو تبريرات عقلية مثل الانتشار وغيرها؟

يجيب ناطور “الاستعلاء صفة عند البعض الذين لا يطربون لمزمار الحي، لكن ربما دفع المال قد يجعلهم يشعرون بجدية هذه الوسائل على الأقل”.

لا بد من القول ختاماً أن ادراج جريدتنا “طلعنا عالحرية” أيضاً ممتلئة بالتساؤلات ومشاريع حوار لم تكتمل مع كتاب ومثقفين وسياسيين سوريين.. منهم من اعتذر بأدب، ومنهم من لم يرد السلام.. ومنهم ايضاً.. كتّاب.. صحفيين وساسة من القادة في الائتلاف والمنابر ممن قللوا الأدب والاحترام إلى درك لم نكن نتوقعه من أحد.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top