10 كانون الأول، يسألني صديقي: “علّقتم العمل بالمكتب اليوم؟.. خير.. صاير شي؟”.
– لا أبداً، وهنا المشكلة بالضبط: “ما صاير شي”!
—
ثلاث سنين طويلة.. لا يفارقني الشعور بـ”ذنب البقاء”؛ ما يشعر به كل الناجين من القتل أو الاعتقال أو العيش تحت الخطر.. هل استثناني الخاطفون عمداً أم سهواً أم مصادفة؟ أم -الاحتمال الأكثر إزعاجاً- أني لم أشكّل أهمية لهم لدرجة أن يتكلّفوا عناء خطفي!
—
منذ صبيحة الجريمة، كانت إجابتي عن سؤال: “من تتهم؟” مزعجة وقليلة اللياقة: “لا أستثني أحداً؛ الجميع أصحاب سوابق”.
ظهرت قرائن تشير إلى تورط جيش الإسلام، نعم. ولست فخوراً بذكر ذلك أيضاً.
أعرف أن التعميم مجازفة، وأعرف أن البعض أقل سوءاً من بعض آخر.. وأعرف الآن أيضاً أن السلبية في التعامل مع القضية التي اشترك فيها مؤثرون أو مؤثرون محتملون، تتجاوز مجرّد العجز لتصل حدّ التواطؤ!
خلال الثلاث سنوات، أكثر ما راكمته شاحنة كبيرة من الخجل؛
أخجل -على وجه الخصوص- من الخالة منيرة “أم رزان”؛ ربما طمأنت نفسها -بعد أن عرفت بتهديد ابنتها بالقتل قبيل اختطافها- بأن معها (رجال)!
أخجل من ياسين “زوج سميرة”.. أوصاني بزوجته عندما تركها معنا -كما أوصاها بي وبزوجتي وابنتي-..
..من أصدقائي إخوان وائل.. ومن والدهم المرحوم “أبو إياد” الذي لن يرى ابنه في هذه الحياة، كما لن يرى المرحوم والد ناظم ابنه أبداً.
أخجل طبعاً من رزان؛ لو تبادلنا المواقع هل كانت ستتعامل مع قضيتـ(ـي) كما تعاملت أنا مع قضيتـ(ـها)؟ أمنع نفسي من الاستغراق في التدليل على الإجابة بالنفي؛ فمن التجارب السابقة، وعندما كنت أنا المغيّب فعلاً وهي الطليقة، لم تسكت، ولم تتركني. بل هي اعتبرت قضيتي -كما كل قضية مشابهة- قضيتها الشخصية وقضيتنا كلنا.
أثناء الخجل والألم، لا ينفكّ يضرب رأسي سؤال: هل كانت إعادة افتتاح المكتب وتسيير أعماله لصالح القضية أم ضدّها؟
كان اجتهادنا وقتها أن نوصل رسالة للخاطفين وأمثالهم بالدرجة الأولى؛ أن التهديد والخطف والتغييب والأساليب المشابهة لا تثنينا عن متابعة العمل. ولأننا اعتبرنا أن الاستمرار بالعمل أفضل أشكال التضامن مع من بدأه.
أم أن متابعة النشاط وتقديم “الخدمات” مرمغ المشكلة، ورقّع الفراغ الذي تركه المخطوفون؟
—
رغم شهرة تستحقها رزان، ورغم نشاط ياسين أكثر من كل المعنيين بالقضية، نجهد في تكرار حقيقة أن المخطوفين أربعة، أربعة أشخاص، أربعة أسماء، أربعة نشطاء معتبرين، لكل واحد حياته وشخصيّته وتاريخه وعمله وعائلته.. مع تداخلات وحلقات كثيرة تجمع الأربعة وتجمعنا معهم. لا تستطيع أن لا تشعر بالغبن عند إجمال الكل باختزال مثل: “رزان وأصدقاؤها”..
—
يأخذ البعض على ياسين أنه مباشر وغاضب في طرحه وتوجيه اتهاماته. هل كان على رجل فقد امرأته وأقرب أصدقائه، أن يكون هادئاً وأن يعتمد التلميح والمواربة في عرض ما عنده من قرائن؟!
—
حتى في كمية الخذلان وشكله، هذه القضية تشبه الثورة كلّها؛ كثيرون يقولون إنهم أصدقاؤها، قليلون من يفعلون لها، البعض كفّ حتى عن ذكرها وأصبح يتحفظ على تسميتها (قضية)! المتعاطفون الشجعان معها ليسوا قلّة، ولكن أقلّيّة، ومن يؤمن بها يعاني من انسدادها. ورغم أنها بدأت في حارة من حارات دوما، صار التحرك فيها يقتضي تدخل دول وسفارات وخارجيات. وقبل ذلك: من يفترض أنهم يحمونها هم أكثر من أساء إليها وضيّعها!
—
الرسالة مفتوحة لطلب النصح. يا أحباب المخطوفين، يا معارضة، يا من تهمهم هذه القضية، وتهمهم هذه الثورة وهذه البلد.. من فضلكم ساعدونا، أشيروا علينا.. عرضنا ما عندنا، تعرفون الهدف وتعرفون الظروف العامة. القضاء هنا مشى شوطاً ثم توقف (أو أوقف)، ثم انقسم! محدداتنا فقط أن القضية نبيلة، ولا تستعمل إلا الوسائل النبيلة.
لا أقول إننا عجزنا وعدمنا كل الوسائل أو استنفدناها، ولكن ما بُذل لم يرجع أحبابنا حتى الآن.
—
ليس آخراً: يؤذيني ناس على ضفاف القضية يرددون أشياء بمعنى: “آخ لو كنت في دوما..”. لهؤلاء بالذات مناشدة خاصة، بكل ودّ وصدق: سيدي/ سيدتي.. لو كنت معنا في دوما كيف ستعيد/ين أصدقاءنا؟ أرجوكم قولوا لي ما أفعل!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.