مجلة طلعنا عالحرية

شذرات نسوية

جمال سعيد

1

على الرغم من التضييق عليهن،  يندر وجود مرحلة  من تاريخ المجتمعات البشرية لا حضور فيها للنساء في الحياة السياسية والثقافية أو سواها من الفعاليات المرتبطة بما اصطلح على تسميته “البنية الفوقية”. ارتبط  حضور المرأة، بعد نشوء المجتمع الأبوي الذكوري، بظروف أو طاقات استثنائية تمتعت بها بعضهن، الأمر الذي أتاح بروز دور هذه المرأة أو تلك  في ظل الهيمنة الذكورية. وفي  أغلب الأحوال تحولت المرأة إلى جزء من أسرة (سواء كانت زوجة أو ابنة أو أماً أو أختاً) يسيطر عليها الذكر. ومن الجوانب التي أكدت سيطرة الذكور ثقافة  جعلت المرأة سلسلة من العورات، عليها  صيانتها، لا من أجل نفسها بل من أجل غيرها، وتلك الثقافة تربط شرف الرجل بالمرأة ، (لا بصدقه أو شهامته أو حلمه) بل بجانب من سلوكها أو جسدها. وفي هذا الإطار ارتبطت  الشتائم بجسد المرأة أيضاً، وبميدان الجنس على وجه التحديد.

2

مرّ زمن طويل على انطلاقة الحوار في الثقافة العالمية والعربية حول مسألتي تحرّر المرأة والمساواة بين الجنسين. يذكر بعض أبناء جيلي أبحاث “قاسم أمين” مثلاً، وأغلبهم يذكرون أبحاث الدكتورة “نوال السعداوي”، التي انشغلت وشغلت القراء العرب بأبحاث جريئة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تحت عناوين مثل “المرأة والجنس” و”الرجل والجنس” و “الأنثى هي الأصل” وغيرها…، ويذكر البعض، ربما، وجهة نظر الراحل “جورج طرابيشي” في سياق انتقاده للسعداوي التي اعتبرها (أنثى ضد الأنوثة) انطلاقاً من أنّ تحرّر المرأة لا يعني إعدام الأنوثة، والمساواة مع الرجل لا تعني تحول الأنوثة إلى ذكورة، بل تعني إتاحة الفرص للأنوثة لتكون طاقة فاعلة (بما هي أنوثة) يحتاجها المجتمع.

وشهدت الحياة الثقافية والسياسية حضوراً أصيلاً للمرأة العربية في الحياة السياسية والثقافية والنضالية، واشتهر في المنطقة العديد من النساء ممنّ عاصرناهم، مثل “جميلة بوحيرد” و”ليلى خالد”، و”سحر خليفة”، و”فاطمة المرنيسي”، عداك عن الفنانات الكبيرات مثل “فيروز” و”أم كلثوم” وغيرهن. وعرفنا أيضاً النساء اللواتي استخدمن (مثلما استخدم الرجال) كإكسسوارت للأنظمة القمعية فشغلن مناصب وزارية أو أصبحن عضوات في برلمانات التصفيق والمديح. وبصرف النظر عن مختلف العوامل تزايدت مشاركة نساء منطقتنا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) في مختلف مناحي الحياة منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم.  وفي سوريا شهدنا أسماء لافتة لسيدات في ميادين العلوم والأدب والفن. وقد نشر الكثير عن دور المرأة في الثورة الذي تجاوز كثيراً صناعة المكاديس والمكابيس والاسهام في الاقتصاد المنزلي.

3

لا يندر أن تجد رجلاً كذلك الحلبي الذي اشتهر بعبارته المؤثرة عن زوجته “مرتي تاج راسي” ولكنه ليس النمط السائد من الرجال على أي حال.  ولا يستحيل أن تجد رجلاً  يربط شرف المرء بسلوكه لا بجسد إحدى قريبات الدرجة الأولى. ولكنه أيضاً ليس نمطاً سائداً. وبوجه عام تبين في السنوات الأخيرة أن عدد المتخلفين لم يكن قليلاً، فقد حملت وسائل الإعلام و”السوشيال ميديا” مواقف معيبة، جعل الموالون للنظام من النساء المعارضات “مجاهدات نكاح” وجعل المعارضون من النساء المواليات “بنات متعة”. وبلغ انحطاط الشتامين الذين سخروا إعلامهم للنيل من السوريات، أنهم لو صدقوا لكانت البلاد محلاً لبنات الهوى!

4

أسوأ ما شهدته سوريا، في السنوات الأخيرة من انتهاكات تجسد الاغتصاب الذي شهدته معتقلات النظام، والمناطق التي سيطرت عليها قوى إسلامية متشددة مثل داعش، ولعل في إعادة إحياء أسواق النخاسة سواء عبر الاتجار بالنساء اليزيديات أو غيرهن من المختطفات في سورية والعراق ما يؤكد أننا يمكن أن نرى، بعد كل الإنجازات التي حققتها النساء في منطقتنا والعالم، شرعنة أحط تجليات الاستعباد والاسترقاق، وإعادة عصر الجواري والإماء.

Exit mobile version